طرحت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الصين قبل أيام أسئلة بشأن آفاق العلاقات الإسرائيلية- الصينية، فقد استغلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تحولات المشهد في الصين بعد وفاة ماوتسي تونغ في 1976، حيث اعتمدت الصين سياسة خارجية تلخصت بعدم التعاطي المباشر في الصراعات الدولية، مثل الصراع العربي - الإسرائيلي، وبرز منذ ذلك الحين في خطاب صيني جديد، يسعى إلى حل الصراعات بالطرق السلمية، لأن ذلك يوجِد بيئةً لانتعاش التجارة الدولية، وتاليا تطور حجم تجارة الصين الخارجية مع دول العالم. وكان هذا بمثابة مقدمة لبناء علاقة إسرائيلية - صينية، وعمّقت تلك العلاقة محاولة الصين استمالة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتبره عاملاً ضاغطاً على الكونغرس الأميركي للحد من معاداة أميركا لها من جهة، وتهيئة الظروف للنفاذ إلى الأسواق الأميركية الكبيرة، فضلاً عن الأسواق الأوروبية التي تربطها علاقة وطيدة معإسرائيل.
كان التحول النوعي الكبير في عام 1992، حيث استطاعت إسرائيل النفاذ في الاتجاه الآسيوي وبناء علاقة دبلوماسية مع الصين التي تستحوذ على وزن نسبي عالمي في مجالات عديدة. وفي زيارته الصين، نهاية الشهر المنصرم، لإحياء الذكرى الخامسة والعشرين لتلك العلاقة، عمل نتنياهو على تعزيز العلاقات الاقتصادية معها، وتسريع إقامة منطقة تجارة حرة بين إسرائيل والصين، فضلاً عن تفعيل عمل لجنة التعاون الاقتصادي الخاص المشتركة لهما، لكن اللافت كان اقتراح نتنياهو فتح مسار مسرع لمستثمرين إسرائيليين وصينيين، وتدشين خط طيران مباشر بين شانغهاي وإسرائيل. ولهذا، وقع نتنياهو ورئيس الوزراء الصيني، كاي تشينغ، على عدة اتفاقيات، من أهمها اتفاقية لتشكيل طاقم عمل مشترك متعدّد السنوات، اتفاقية لجلب عمال صينيين إلى السوق الإسرائيلية، فضلا عن اتفاقيتين بشأن تعاون في مجال الطيران وإقامة مختبرات مشتركة. كما سعى نتنياهو إلى استمالة الشركات الصينية الكبرى للاستثمار في السوق الإسرائيلية. ولهذا السبب، التقى مع أحد عشر رئيسا لأكبر الشركات الصينية، معظمهم يستثمرون في إسرائيل، والباقون سيستثمرون فيها مستقبلا، الأمر الذي سيوفر قنوات عمل كثيرة وتطويرا للأعمال والارتباط بالأسواق الصينية الكبرى خلال السنوات الخمس المقبلة على أبعد تقدير، وقد عزّز التوجه الإسرائيلي المذكور حضور نتنياهو مؤتمراً تجارياً في أثناء زيارته الصين، شارك فيه أكثر من ستمائة رجل أعمال إسرائيلي وصيني، وثمة عشرات من رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يمثلون شركات تعمل في الصين، أو تريد الدخول إلى الأسواق الصينية خلال فترة قصيرة. وإضافة إلى زيادة حجم التجارة مع الصين، تمّ التوقيع على مذكرة تفاهم إسرائيلية مع الصين، لرصد موازنة بقيمة 15 مليون دولار، بغية النهوض بالواقع البحثي المشترك، وخصوصا في مجال تكنولوجيا المياه والطب والمدن الذكية وعلوم الأعصاب، وسيتم عقد مؤتمر علمي مشترك إسرائيلي - صيني لبحث القضايا العلمية، وستوقع وزارة الخارجية الإسرائيلية على سلسلة اتفاقيات دبلوماسية مع وزارة الخارجية الصينية، كتبادل وفود القادة الشبان في مجالات شتى.
والصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك لها على مستوى العالم بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وبحجم تبادل تجاري (الصادرات والواردات)
يصل إلى 11 مليار دولار سنويا خلال السنوات الأربع الأخيرة، في مقابل 6.7 مليارات دولار في عام 2009. وتفيد المعطيات بأن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بلغ ثلاثة مليارات دولار سنويا، وأن 66% من هذه الصادرات هي من شركة إينتل للإلكترونيات، ومن شركة كيل للكيماويات. وبهذا يصل العجز التجاري الإسرائيلي مع الصين سنوياً إلى ثمانية مليارات دولار. وبعد توقيع إسرائيل والصين على 25 اتفاقية تعاون نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، سيرتفع حجم التبادل التجاري البيني إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2022، بما فيها تجارة الأسلحة بالاتجاهين. لكن العجز التجاري الإسرائيلي سيبقى العنوان الأبرز للعلاقات الإسرائيلية - الصينية في المدى المنظور، شأن العلاقة التجارية بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي.
ويبقى القول إن إسرائيل تسعى من توطيد علاقتها مع الصين إلى رفع حجم التجارة الخارجية، والنفاذ إلى السوق الصيني الكبير، وجذب مزيد من الاستثمارات الصينية إلى السوق الإسرائيلي، فالصين، من باب المصلحة الإسرائيلية الاستراتيجية العليا، من أهم دول النادي النووي في العالم، ناهيك عن أنها الأكبر في عدد السكان عالميا، فضلاً عن نموها الاقتصادي الذي يفيد بأنها ستكون مع حلول عام 2030 صاحبة أكبر اقتصاد في العالم. والأهم من ذلك أنها ذات مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، لها حق النقض (الفيتو) على مشاريع قرارات دولية قد تدين السياسات الاحتلالية التهويدية الإسرائيلية في أي لحظة، خصوصا بعد انكشاف صورة إسرائيل العنصرية أكثر من أي وقت مضى.