حين دخولك إلى أرض المعارض في ساحة السرايا وسط مدينة غزة، يسرق أنظارك جدارية فنية ضخمة، خُطّت عليها ملامح تجاعيد عجوز أرهقته رحلة التشرد والهجرة من أرضه عام 1948م.
على مقربة من اللوحة، طفلة صغيرة تسحب جدتها هزيلة الجسد وضعيفة البصر من يدها إلى جدارية ضخمة رسمها الفنان التشكيلي محمد دغمش، وسط المعرض.
دقائق معدودة وقفتها العجوز عند اقترابها للوحة، حيث خيّم عليها حالة من الصمت والتفكير، وكأنها اكتفت بالنظر لكل تفاصيل الجدارية، وأخذت تقلب شريط رحلة "العذاب" التي عاش تفاصيلها كل من شرّد من أرضه، وربما تكون هي واحدة من القلائل المتبقين ممن عايشوا هذا الألم.
وبالنظر إلى أبرز ما تضمنته تلك الجدارية الضخمة، حيث رسمت ملامح عجوز أثقلته الهموم بعد رحيله من أرضه، ويحمل مفتاح العودة، وكأنه يستعيد لحظات العذاب والتشريد، ويفكر في الرجوع، وفي الزاوية الأخرى عشرات المشردين وهم يحملون عتادهم وأطفالهم الصغار يمشون على الأشواك والدماء تسيل من أقدامهم، في مشهد يجسّد كل معاني الألم والوجع الذي عاشه الفلسطينيون.
ما بين العجوز والمُشردين، تتربع قبة الصخرة المشرفة والنيران تشتعل من أمامها، في دلالة على خطورة الأوضاع التي تمر بها مدينة القدس، وإجراءات الاحتلال فيها، وفق ما يروي صاحب اللوحة الفنان محمد دغمش.
ووفق دغمش فإنه أراد، من خلال رسم أضخم جدارية على مستوى فلسطين، تجسيد كل معاني المجزرة البشعة التي حلّت على الشعب الفلسطيني قبل 69 عاماً، وما تحمله من أوجاع وآلام، بحسب ما قاله "الرسالة".
ويؤكد الفنان دغمش (28 عاماً)، أن الفن هو أحد الوسائل التي تجسد معاناة الشعب الفلسطيني، وما حل به، والتي منها ذكرى النكبة التي تحمل في ثناياها الألم والوجع في قلوب الفلسطينيين، مطالباً الفنانين في كل أنحاء العالم، بتوجيه بوصلتهم نحو فلسطين وتجسيد قضيتها في لوحاتهم الفنية.
هذه الجدارية أبرز ما تضمنه معرض "الأرض والأسرى والمسرى.. حكاية شعب" الذي جسد فيه مراحل النكبة للشعب الفلسطيني ومعاناة أهله.
بالانتقال إلى زوايا أخرى من المعرض، حيث المخلفات والصواريخ، التي يضرب بها الاحتلال الفلسطينيين، والتي تمثل مدى العنف والضياع للحقوق للعام 69 على التوالي، وترمز هذه الزاوية إلى وحشية الاحتلال وقسوته في التعامل مع الفلسطينيين منذ القدم وحتى الآن.
بالقرب منها مشهد آخر يحتوي على مشغولات وأثواب تراثية، تجسد معاني الحضارة الفلسطينية، أنتجتها أيادٍ فلسطينية من غزة، بالإضافة إلى زوايا أخرى من الصور التي تحمل أسماء المدن الفلسطينية.
ولم يغفل القائمون على المعرض، قضية الأسرى المضربين عن الطعام، التي تتزامن مع قدوم النكبة، حيث خُصص لها زاوية صور للأسرى المضربين تجسيدا لصمودهم في وجه السجان الإسرائيلي.
ويقول مدير عام مؤسسة دوحة الإبداع للثقافة والفنون القائمة على المعرض شعبان حسونة:" أقيم المعرض إحياءً للذكرى الـ 69 للنكبة الفلسطينية، بمشاركة عدد من المؤسسات وبرعاية وزارة الشباب والرياضة".
وأوضح حسونة، أنه أراد إيصال عدة رسائل من خلال المعرض، أولها توعية وتثقيف الأجيال الصغيرة الناشئة بحق العودة.
أما الرسالة الثانية، فهي للشعب الفلسطيني، بضرورة التمسك في المقاومة، لأنها السبيل الوحيد لتحرير فلسطين من دنس الاحتلال، فيما تكمن الرسالة الثالثة بإدانة المجتمع الدولي الصامت على جرائم الاحتلال ومطالبته بضرورة الضغط على "إسرائيل" للتراجع عن سياساتها والوقوف بجانب الفلسطينيين.
ويصادف الاثنين الذكرى الـ69 للتهجير القسري الجماعي عام 1948 لأكثر من 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، فيما عرف بمصطلح "النكبة".
ولا يزال اللاجئون الفلسطينيون يحتفظون رغم مرور 69 عامًا بمفاتيح بيوتهم القديمة والمقتنيات التي حملوها معهم منذ التشريد.