تعيش (إيلينا) منذ أسابيع حالة اختبار محبّبة إلى قلبها مع كافة تفاصيل الحياة بغزة التي تعاطفت مع ضحايا الحرب من أطفالها حتى قررت قبل أسابيع الانتقال للزواج من أحد الغزيين وإشهار إسلامها قبيل حلول شهر رمضان.
خلافاً لما هو معتاد في بحث الشباب العربي عن أحلام الثراء والعيش الرغيد في أوروبا حوّلت (إيلينا) الفتاة الرومانية التي أحبت غزة والقضية الفلسطينية قبلة السفر من أوروبا إلى غزة.
تعرّفت (إيلينا) قبل شهور إلى الشاب محمود البحيصي (33) عاما من دير البلح وبعد استيفاء كافة توكيلات أوراق الزواج وعقد القرآن أعلمته برغبتها الانتقال للسكن معه في قطاع غزة.
تحمل الجنسية الرومانية وقد انتقلت قبل سنوات إلى إيطاليا ودرست ماجستير (قانون جنائي) وهناك اقتربت من عائلات مسلمة من أصول مختلفة وتعرّفت أكثر على القضية الفلسطينية.
** أطفال غزة
أثارت بشاعة الاحتلال في قتل أطفال غزة مشاعر (إيلينا) خلال حرب عام (2014) فقررت التضامن معهم على طريقتها الخاصّة وجمع التبرعات في صناديق تضعها في الأماكن العامة بالمدن الإيطالية.
ورغم أن التجاوب كان بطيئاً والمبالغ متواضعة إلا أنها واصلت الجمع في وقت صادقت فيه عائلات عربية ومسلمة تحدثت لها عن فلسطين وقضيتها وأحبت من خلالهم الدين الإسلامي.
وتحكي "للرسالة" عن تجربتها، أنها كانت ترغب في نقل معاناة أطفال غزة للعالم والمساهمة في مساعدتهم، لكنها لاحقاً ارتبطت بـ" البحيصي" وآمنت بحبه للفنّ وبعد تفكير عميق أتت لغزة لارتباطها به، ولحبها لطقس البحر المتوسط أيضا.
ويحسن الشاب "البحيصي" صناعة حجارة الجدران المستخدمة في أعمال الديكور وقد عمل مع أحد أقاربه في معمل خاص بمصر وعاد قبل سنوات لغزة بعد أحداث مصر الأخيرة.
خلال الاتصال المتكرر في رحلة السفر تجشّمت (إيلينا) عناء الانتظار (48) ساعة على معبر رفح من الجهة المصرية وعندما سألت زوجها، هل ستنال مثلها عند الجانب الفلسطيني أخبرها أن الأمر لن يتعدى (10) دقائق ما أثار استهجانها من الحصار والمضايقات المتواصلة حول غزة.
وكان البحيصي قد ساءت أحواله المادية في غزة بعد أن ترك عمله بمصر فحاول إنتاج حجارة الديكور بشكل بدائي حتى تمكنت (إيلينا) وهي عائدة لغزة من إحضار سبعة قوالب معدنية من إيطاليا لصناعة الحجارة أنقذت مشروعه المتواضع.
** القرآن قانون حياة
في حجرة الضيافة بمنزلها الجديد أعدت (إيلينا) القهوة وقدمت التمر عملاً بالعادات والتقاليد المحلية التي بدأت تتعايش معها وقد زادت عليها حين ارتدت ثوباً فلسطينياً مطرّزاً وغطاء رأس مزركشا بخيوط ملوّنة.
ويقول زوجها إنه يتحدث الانجليزية مع زوجته لكنه تفاجأ بوجود مفردات في اللغة الرومانية تشبه اللغة العربية حتى ثوب جدة (إيلينا) المطرّز يشبه لحد كبير الثوب الفلسطيني.
وتروي (إيلينا) وهي في المرحلة الإعدادية أنها قد حصلت على نسخة من القرآن فأثار اهتمامها جمال الخط العربي وفن عمارة المساجد الإسلامية ما دفعها للقراءة أكثر عن الإسلام.
وتضيف: "أعجبني في الإسلام أنه دين لم ينل منه التحريف وبدأت عام 2014 أقرأ القرآن وساعدتني عائلة مسلمة ولأن دراستي تختص بالقانون رأيت في القرآن قانوناً للحياة والعلم وكل شيء فيه يمضي بنظام".
** أول رمضان
لا تنقطع أسئلتها عن تفاصيل الإسلام ومظاهر العبادة وحكمة الصوم وقد وجد زوجها سلواه في محرك البحث (جوجل) للاستعانة بمواقع إنجليزية تتحدث عن الإسلام وتسعفه في بعض الأحيان.
وقبيل دخول شهر رمضان سألته إن كان بإمكانها الصوم، فجربت ومر اليوم الأول بصعوبة كونها لم تعتد على ذلك فشعرت بصداع وعطش حتى تأقلمت في الأيام التالية.
ويضيف محمود: "قلت لها أن الله لا يريد أن يعذبنا بالصوم لكن له حكمة وبعد ذلك بحثت وقرأت عن رمضان وعندما مرضت في اليوم الرابع أخبرتها برخصة الإفطار للمريض فأدركت المسألة واليوم نعيش كأسرة أجواء الشهر".
لا يحمل السفر من أوروبا إلى غزة صوراً عن قوارب الموت أو خيمات اللاجئين من جنسيات مختلفة، وحده معبر رفح يجسّد عنق الزجاجة لسجن كبير أهله محاصرون كما رأتهم (إيلينا).
في بداية ارتباطها بزوجها محمود أخبرت أهلها أنه سينتقل للعيش معها في إيطاليا وبعد عشرة أيام من وصولها لغزة أخبرتهم أنها في غزة ما شكّل مفاجأة لهم.
وتتابع: "في البداية شعروا بالخطر فقلت لهم ألا تذكرون الزلزال الذي وقع قبل شهور وأنا في إيطاليا وكان ممكن أن أفقد حياتي هناك رغم بعدي عن غزة، اليوم أنا مسجلة في بطاقة لاجئي الأونروا-تبتسم- وأفتخر بحبي لفلسطين وغزة".
وتؤدي (إيلينا) عملاً يومياً على حاسوبها الخاص تترجم خلاله مقالات وأبحاث لطلبة جامعيين في رومانيا وإيطاليا وتمضي بقية وقتها في الاهتمام بطيور البط المنزلية وأشجار الزيتون التي تحتفظ بكثير من صورها على هاتفها النقّال.