كان لتصريح الرئيس دونالد ترمب بقرب انسحاب قوات بلاده من سوريا وقع المفاجأة على المسؤولين في إدارته قبل الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية، لكن كلام الرئيس الأميركي يؤكد ارتباكا أميركيا في الملف السوري يقارب درجة الفشل مقابل نجاح للنظام وحلفائه وفق الكثير من المحللين.
ورغم نفي وزارتي الدفاع والخارجية علمهما بخطط للانسحاب، أكد مسؤولان كبيران بالإدارة أن الرئيس ترمب أبلغ مستشاريه برغبته في خروج قوات بلاده من سوريا، بينما سيعقد مجلس الأمن الوطني اجتماعا في بداية هذا الأسبوع لبحث المسألة.
في السياق أمر الرئيس ترمب وزارة الخارجية بتجميد صرف أكثر من 200 مليون دولار من الأموال المخصصة لجهود الإعمار في سوريا، وهو قرار يتماشى مع إعلانه الخميس نية الخروج من سوريا.
وأكد ترمب في خطاب بولاية أوهايو الخميس أن قوات بلاده ستنسحب قريبا جدا من سوريا، وأن على الأطراف الأخرى -دون أن يحددها- الاهتمام بالأمر، مشيرا إلى أن بلاده خسرت نحو سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط، وأن ذلك لم يترك شيئا لبناء مدارس في بلاده، وفق تعبيره.
التخبط الأميركي
ورغم أن كلام ترمب كان واضحا، فإنه يخالف معظم التوقعات وحتى الحقائق على الأرض وتصريحات مسؤولين أميركيين حول دعم الوجود العسكري لواشنطن في سوريا وربما البقاء طويل الأمد هناك لمنع إمساك روسيا بزمام الأمور، وضرب التمدد الإيراني. وهو ما أكدت عليه الإستراتيجية العسكرية الأميركية مؤخرا، وزيادة مخصصات وزارة الدفاع في 2018.
وذكرت وول ستريت جورنال أن مشاورات داخلية ما زالت جارية حول الموقف في سوريا، وأن مستشاري ترمب أبلغوه أنه ينبغي أن تبقى أعداد قليلة من القوات الأميركية لعامين على الأقل "لتأمين المكاسب التي تحققت بعد هزيمة المتشددين وضمان ألا تتحول سوريا إلى قاعدة إيرانية دائمة".
ويرجح مراقبون أن يؤدي تصريح ترمب إلى خلاف بين أركان إدارته في الخارجية والدفاع ومستشاريه، خصوصا أن الانسحاب سيترك المجال لإيران في المنطقة، واعتبر تعيين مدير "سي آي أي" السابق مايك بومبيو وزيرا للخارجية وجون بولتون مستشارا للأمن موشرا على تشدد في الملفين السوري والإيراني.
ونقلت وول ستريت جورنال عن مارك دوبويتز الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات قوله إن ترمب يخاطر بتكرار الأخطاء التي ارتكبها الرئيس السابق باراك أوباما عندما سحب القوات الأميركية من العراق، فقد يسمح الفراغ لتنظيم لدولة الإسلامية بالعودة ولإيران بتوسيع نفوذها ولروسيا بلعب الدور المهيمن في تشكيل اتجاه الحرب، وفق تعبيره.
في المقابل، يرى محللون أن الرئيس الأميركي يتصرف وفق أجندة واضحة، وهو يطبق في النهاية ما وعد به في حملته الانتخابية من أن الهدف الرئيسي لبلاده في سوريا هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويؤكد هؤلاء أن ترمب ليس مهتما كثيرا بنشر الديمقراطية في سوريا أو غيرها وهو يتصرف بعقلية رجل الأعمال ويقدم المصالح الاقتصاية على السياسية.
وكانت صحيفة واشنطن بوست قد ذكرت قبل أيام أن ترمب أبدى رغبته بخروج قوات بلاده من سوريا وطلب من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده مبلغ أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار وتحقيق الاستقرار في المناطق التي حررتها القوات الأميركية من تنظيم الدولة (شرقي سوريا).
ووفقا لواشنطن بوست، فإن الهدف الأميركي هو تعزيز قدرات قوات سوريا الديمقراطية الاقتصادية والعسكرية في تلك المناطق من أجل السيطرة عليها وإدارتها بما يمنع روسيا والنظام السوري وإيران من التمدد إليها.
وتشير التقارير إلى أن الوجود الأميركي في سوريا ينحصر في منطقة التنف بالمثلث الحدودي السوري الأردني العراقي وفي مناطق الشمال السوري، حيث الوجود الكردي في الحسكة ومعظم القامشلي والرقة ومنبج شرقي الفرات، حيث أقامت واشنطن عشر قواعد، وفق مصادر متعددة.
الجزيرة نت