قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: في منزل الطفلة "جنَّات".. الجرح جرحان!

شوارع الوطن
شوارع الوطن

الرسالة نت - أمل حبيب

جنّات مفردها جنّة، وجراح مفردها جرح، ولكن في منزل الطفلة جنّات بات الجرح جرحين!

عكاز أطول من قامتها، تحاول الاستناد عليه، لا تفارق وجهها ابتسامة دافئة كما ساقها التي لم تفارقها جرحان، أحدها نكأ الآخر بعد مشاركتها في مسيرة جمعة الوفاء للجرحى على الشريط الحدودي لمخيم البريج وسط القطاع، والآخر كان قبل أربع سنوات!

لم تدرك جنات الهندي حين كانت في عامها العاشر أن صاروخ حقد إسرائيلي سيهدم منزل جيرانها، وينالها منه نصيب بعد أن وقعت قطع ألواح "الاسبسبت" التي تغطي منزلها في المخيم على ساقها.

ساق واحدة واختلاف!

ساق واحدة بنفس الإصابة، الساق اليسرى تختبئ بجرحها خلف رداء الطفلة الطويل، هي نفسها وذات الندبة، ما اختلف بالنسبة لجنات ابنة الــ 14 عامًا أن اصابتها الأولى كانت وهي نائمة في فراشها وشظايا صاروخ إسرائيلي أصابها خلال العدوان الأخير على القطاع، بينما الإصابة الثانية كانت و"جنّات" تلف عنقها بكوفيتها، وتقابل جنود القناصة على الحدود بلافتة كتبت عليها "راجعين على قرية صرفند العمار"!

اختلف الكثير بالنسبة لها خلال أربعة أعوام، باتت تدرك أن العودة تحتاج من الفلسطيني تضحية للعبور نحو الحرية.

لماذا تشارك طفلة في مثل عمرك؟، لا مجال لديها ألا تبتسم، فقط رفعت حاجبها وقد استغربت من مجرد تفكير أحدهم بهذا السؤال، ثم أجابت ووجهها لعدسة الكاميرا:" للمطالبة بحق العودة"، أكملت إجابتها وهي تصف لحظة وصولها للحدود الشرقية بأن "الشعور حماسي"، وأنها في كل مرة تتواجد هناك "بشم ريحة قريتي".

حينما لمحت جنات ذاك الجندي الإسرائيلي عادت بذاكرتها إلى الإصابة الأولى: "أول مرة شفت الجندي تذكرت الوجع قبل أربع سنين"، لا مكان للذبول على تفاصيل وجهها، لقد عادت عضلات وجهها تتمدد وهي تؤكد:" فدا الوطن كله بيهون".

حديثها كان أكبر من عمرها، خلال اللقاء رددت أكثر من مرة مصطلحات كـ "هذه أرضي" " أطالب بحقي"، "بالسلمية واجهنا الغاز والرصاص".

جنات التي يتبع اسمها اسم والدها "جمال"، كان على يمينها، يتابعها وهي تتحدث بطلاقة أمام الكاميرا، تعرف ما تود إيصاله للعالم، عن مخيمها وحلمها ومدينتها، لأن عائلتها تشارك منذ اللحظة الأولى في مسيرة العودة، يعلق والدها: "لم نتغيب عن أي جمعة، وجنات تحب أن تكون في الصفوف الأولى".

ماذا تود أن تعرف عن طفلة في ربيعها الرابع عشر، مميزة بين إخوتها، متفوقة في مدرستها، تحلم باللعب في قرية صرفند العمار، تتقن الخط العربي، والأهم من ذلك أنها عنيدة جدًا حيث طلبت من والدها أن يوفر لها عكازين لتتمكن من المشي والمشاركة في مسيرة العودة قبل قدوم الجمعة التالية!

يوم الإصابة في الجمعة الثالثة عشر كانت جنات تبعد عن السلك الزائل قرابة 200 متر، حولها الفتيات وشباب الحي، غبار ودخان كثيف، لم تشعر جنات سوى بجارهم الشاب محمد السراج وهو يصرخ بعد إصابته بطلق ناري متفجر، عبر من خلاله إلى جنات حيث استقرت شظاياه في ساقها!

الطفلة التي تقاسمت الرصاصة مع ابن جيرانهم، تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي لن يميز بينها وبين الكبار على الحدود، هو يميز فقط حاجته للقتل!

يضيء الله في قلبها ألف شعور معًا لحظة إبصارها للأرض المسلوبة خلف الحدود، أشقاؤها الصغار يشاركونها ذلك منهم سراج وضياء صاحب الغمازة في خده الأيسر حين يضحك تترك حيزًا في وجهه يزيده ضياء وهو يردد " كل جمعة بشارك في مسيرة العودة مع جنات".

لم يكن حديث الوالد جمال منفصلًا عن حديثنا مع جنات، كان يؤكد ما تقول، وهنا شدد بقوله: "نقدم أبناءنا فداء للوطن، وليس للتهلكة كما يدعي البعض، نذهب إلى مكان مخيم العودة فهو نفسه المكان الذي ضربت فيه الخيام عام التهجير، نتوجه هناك لتحقيق الهدف وهو المطالبة بحق العودة وفك الحصار عن غزة".

صاحبة الخط الجميل هلا ودعتينا بمخطوطة صغيرة؟، كان طلبنا الوحيد من الطفلة جنات والتي لم نستغرب منها أن يخط قلمها الأسود " راجعين" وذيلت هذا الإصرار بالعودة بوسم #صرفند_العمار.

البث المباشر