قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: هل انتصرنا في معركة العصف المأكول ؟  

الكاتب
الكاتب

مصطفى أبو السعود

ما أن وضعت معركة العصف المأكول عام  2014 _  التي نحيى ذكراها الرابعة _ أوزراها حتى بدأت عملية التقييم ،وهذا أمرٌ جيدٌ، فالبعض اعتبرها نكبة جديدة للشعب الفلسطيني حيث الدماء تطايرت والبيوت تهدمت وعدد الشهداء والجرحى والأسرى واليتامى والأرامل والثكالى ارتفع بشكلٍ كبيرٍ ، بينما البعض الآخر نظر لها على انها نصرٌ جديدٌ للشعب الفلسطيني على العدو الصهيوني، حيث أنه ورغم كل الدمار لم تسقط غزة ولم يحقق الاحتلال مبتغاه.

لكن ، تُرى ما الذي جعل البعض يعتبرها نكبة وما الذي جعل البعض الآخر ينظر لها على انها نصر؟ ألم يكن الطرفان يعيشان في نفس البقعة الجغرافية؟ ألم يسمع الطرفان أزيز الطائرات وأصوات الصواريخ وهي تزلزل المخيمات والتجمعات السكنية والمؤسسات الخاصة والعامة؟ ألم يفقد الطرفان أحبة لهم واقارب وممتلكات ؟ ألم يفقد الطرفان ادنى مقومات الأمن في تلك الفترة ؟

المعروف بأن ثمة معياران للحكم على أي فعل بشري، الأول هو المادي، الثاني هو المعنوي،، فالبعض الذي يؤمن بأنها نكبة هو ينظر للنتائج بالمعيار المادي الخارجي ليس انكاراً للجانب المعنوي، بل لأن حجم الأذى والضغط الواقع عليه جعله يُنحي الجانب المعنوي ويعزز لديه قوة حضور الجانب المادي  مستنداً على أن موازين القوة غير متعادلة وليست قريبة من التعادل أيضاً، أما أنصار تيار الجانب المعنوي فقد أمنوا ب (  وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ) فعملوا  بمنطق ( اعدوا ) وليس عليكم إدراك النتائج.

لو أدرنا قياس الانتصارات عبر التاريخ بالمقياس المادي وكم تملك الدول من السلاح والعتاد والجيوش والمال ، فلن يكون هذا الحكم عادلاً ، لأن من يقرأ التاريخ يدرك أن المعيار المعنوي هو أهم من المعيار المادي _ لا انكاراً لدور المعيار المادي _ فكثير من الممالك والدول ملكت الكثير من الامكانيات المادية لكنها لم تحقق نصرا على من طغت وتجبرت عليه، ولنا في القرآن الكريم شواهد كثيرة لن تموت، ففي غزوة بدر التي وقعت في بداية الدعوة ولم يزل عود المسلمين لم يستو بعد ، كان عدد المسلمين313 بعتاد عسكري لا يقارن بما لدى قريش، وكان عدد قريش يقترب من 1000 رجل مزودين بعتاد جبار حسب تقويم ذلك الزمن، لكنه الغلبة كانت للمسلمين.

قد يقول قائل بأن هذه كرامات كانت للمسلمين نظراً لوجود الرسول عليه الصلاة والسلام  بينهم ، الرد المنطقي على هذا السؤال هو أنه لا مانع من أخذ وجود الرسول بين المسلمين في ذلك الوقت بعين الإعتبار، لكن  لا يجب أن ننسى  ما جاء بالقرآن الكريم (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) وهذا دليل على أن الغلبة لن تتأتي بالأمور المادية وفقط.

وبالعودة إلى (هل انتصرنا في معركة العصف المأكول ؟) سأسوق الاجابة على هيئة قصة ( يحكى أن مُختاراً  يفرض نفوذه على كل رجال المنطقة، ولا يرفض له أحد طلب، وذات يوم ضربه طفل صغير كف على خديه ، لم يمت المختار لكن سقطت هيبته، ألا يعد هذا انتصارا للطفل؟ هذا الذي حدث بين غزة وبين الكيان الصهيوني في معركة العصف المأكول، فالكيان الصهيوني لم ينته بعد، لكن هيبته سقطت بين القبائل.

إن عدم تحقيق ما طالبت به المقاومة آنذاك يرجع بالدرجة الاولى إلى رغبة اطراف فلسطينية وعربية بعدم انجازه وعدم السعي الحثيث لإنجازه، لأن انجاز ما تم التوافق عليه والذي على اساسه توقفت الحرب، من شأنه اعلاء راية المقاومة وتأكيد أنه خيار فعال وسيمنحها فرصة لتوطيد شرعيتها.

يبقى القول بأنه رغم ما لحق بغزة وأهلها من دمار، فإن معركة العصف المأكول قد كشفت مثل أخواتها السابقات  معركة الفرقان وحجارة السجيل ،عن هشاشة هذا الكيان المسخ ،وأن القوة المادية وحدها ليست كفيلة بتحقيق نصرٍ موزرٍ، لأن الجندي الذي يحمل أقوى الأسلحة لكن قلبه فارغ من قوة الله ،هو جندي  مهزوم لا محالة.

 

البث المباشر