"أرسل لي رسالة، قال: بحبك يا بابا، وقلت له: وأنا بحبك يا زلمة، وضحكت"
لم يكن يدري والد الشهيد أركان مزهر بأن هذا هو الوداع، وبأن ولده يعلم أنه يومه الأخير، أجل لما، جميع الشهداء يعلمون ذلك ويشعرون به.
ولك أن تتساءل، ما الذي يرعب جنود الاحتلال من فتيان المخيمات، لماذا يؤرقونهم، حتى يدخلوا عليهم بنيرانهم العشوائية فيرتقي أركان شهيدا بالإضافة إلى إصابة ابن عمه حسن مزهر واعتقال اثنين آخرين، جميعهم فتية لم يتجاوزوا الخامسة عشرة.
لم يكن أركان مسلحا، ولا يحمل في قلبه أي نوايا لفعل أي شيء، إنه الطفل ابن الخامسة عشرة، ولكن الاحتلال لا يحتاج إلى ذريعة ليمارس ساديته في القتل، كان أركان يقف أمام منزله برفقة أبناء عمومته متفرجين بينما يقتحم الجيش الإسرائيلي مخيم الهيشة كعادته، ذلك المخيم الذي طالما أدهش عدوه، فكان اسما على مسمى.
هذا ما قاله أحمد ابن عم أركان الذي كان يقف إلى جانبه أمام باب منزلهم حينما أطق الاحتلال نيرانه عشوائيا فسقط أركان برصاصة اخترقت قلبه وخرجت من ظهره، فإذا بالدماء تتدفق كالشلال من صدر الصغير، ذلك الذي كان يناجيه ابن عمه وهو يحمله في سيارة أحد المارة مسرعا إلى المستشفى صارخا بوجهه:" أركان اصحى، اصحى يا اركان" ولكن اركان أسلم الروح سريعا!
ولا تخلو قصص الشهداء من العجائب، فأركان كان قد سأل ابن عمه قبل رحيله بيوم، هل يمكن للشهيد أن يشعر بقرب أجله، أنا أشعر بقرب أجلي! فرد ابن عمه مداعبا كلماته ومخبأ خوفا في القلب قائلا: هات نتصور يا أركان، قبل ما تستشهد".
رحل أركان تاركا لوعة ابن عمه، ووالديه، فاجعة مدهشة حققت نبوءة طفل لم يأخذوها على محمل الجد ليكون دليلا آخر للعالم يثبت للمرة الألف نازية إسرائيل، لذلك العالم الأصم الذي يغمض عينيه عن الحقائق.
والده يحبس دمعة في المقل، يصف كيف دخلت الرصاصة لقلب ابنه مباشرة، وينعت إسرائيل بالدولة القاتلة، متعمدة قتله لأنها كانت تطلق النيران عشوائيا باتجاه المواطنين السلميين الواقفين بشوارع المخيم.
وقد خرجت بيت لحم لتشيع طفلها المحبوب في موكب انطلق بجثمانه من أمام موكب التشييع أمام مستشفى بيت جالا الحكومي مروراً بشارع القدس الخليل، وصولاً إلى منزل العائلة التي لم تتجرع بعد مرارة فقد ابنها بهذه السهولة!
وقد أقيمت صلاة الجنازة في مدرسته ومن بين دموع أصدقائه دفن في مقبرة الشهداء في المدينة، وردد الحاملون هتافا بات فلسطينيا مخلدا "الشهيد حبيب الله" لشعب لم يعد يحصي الشهداء ولا جرائم الاحتلال التي تنتهك كل حقوق الإنسان والتشريعات الدولية.