المعادلة تقول إن (إسرائيل) تعمل على سياسة الاستفراد بكل جبهة على حدة وتحديداً في الملف الفلسطيني، ففي الوقت الذي شنت فيه كل جرائم الحصار والعدوان والتجويع ضد غزة، عملت على تهدئة جبهة الضفة من خلال الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى الرفاهية بالتوازي مع العمل الأمني الدؤوب والتنسيق مع أجهزة السلطة التي سمحت للاحتلال التمتع بسنوات من الهدوء في الضفة.
خلال الفترة الماضية استغلت (إسرائيل) حالة الهدوء تلك لفرض وقائع ومتغيرات جديدة تسمح لها بضمان سيطرتها الكاملة على أراضي الضفة حتى تلك التي تقع ضمن سيطرة السلطة، ومنذ العام 2007 تتغنى (إسرائيل) بمستوى التنسيق والهدوء هناك.
لكن السياسة لا تعرف الثبات ويبدو أن المعادلات تغيرت وبات الاحتلال ومن خلفه المجتمع الدولي مقتنعا بضرورة تهدئة جبهة غزة ومنعها من الانفجار، ولا يمكن تجاهل الرغبة الدولية والإقليمية في منع أي مواجهة في غزة والتي تتوفر كل عواملها بل وتضغط بقوة إلا عامل الرغبة لدى الاحتلال وأيضا المقاومة الفلسطينية.
وتشير التقديرات إلى أن غزة رغم كل ما تعانيه اليوم لكنها ذاهبة نحو تهدئة طويلة الأمد لكن البيئة السياسية والميدانية والدولية لهذه التهدئة تحتاج لوقت حتى تنضج وتصبح مقبولة لدى جميع الأطراف، بحيث يحصل كل طرف _ وهم ليس الإسرائيلي والفلسطيني فقط_ على مبتغاه منها.
في ذات الوقت فإن الأحداث في الضفة والتغييرات التي فرضتها (إسرائيل) تؤكد أن الأمور ستتجه نحو الانفجار فقد لا يستمر الهدوء هناك لأكثر من عام، خاصة أن التغييرات السياسية والضربة الأمريكية والإسرائيلية لمشروع التسوية نسفت كل الثقافة التي حاولت السلطة ضخها في المجتمع الفلسطيني في الضفة بأن المقاومة طريق فاشل، والمفاوضات والتنسيق سيجلب الدولة.
وربما سيعجل من الانفجار المتوقع في حال قرر المجلس المركزي الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري وقف التنسيق الأمني أو اتخاذ قرارات بقطع العلاقة مع (إسرائيل)، وان كان أمرا مستبعدا حتى الآن.
وقد حذرت دوائر أمــنية سياسية وعسـكرية إسرائيلية من إمكانية انفجار الأوضاع في الضفة الغربية عقب عملية مستوطنة بركان قرب سلفيت قبل أن تنفـجر غزة.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي ينيف كوبوفيتش: "الوضع في الضفة الغربية أكثر حساسية من ذي قبل، ومن شأن الأجواء السائدة لدى القيادة الفلسطينية والسكان في الضفة أن تشكل أرضية خصبة لتجديد الهجمات الفردية".
وأضاف كوبوفيتش في مقال نشرته صحيفة هآرتس الاسرائيلية، أن "نشاط الجيش الإسرائيلي والشاباك (المخابرات)، وإلى حد كبير أيضًا نشاط جهاز الأمن في السلطة الفلسطينية، الذي يحافظ على التنسيق الأمني، أفشل جهود حماس في جر سكان الضفة إلى المعركة".
ونوه إلى أن مسؤولين في الجهاز الأمني الإسرائيلي يعتقدون أن من شأن مبادرة سياسية إسرائيلية منع مثل هذا الوضع، لافتًا إلى أن الحكومة تلقت تحذيرات أمنية كثيرة من اشتعال الأوضاع في الضفة.
وبيّن أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ترى في العقوبات الجماعية المفروضة على قطاع غزة إجراءات غير فعالة في ردع منفذي العمليات الفردية، ويتوقع أن تعزز قوة حماس وتزيد من خطر اندلاع مواجهات في الضفة الغربية، حسب التقديرات الإسرائيلية.
وتشير تقديرات الاحتلال في أعقاب عملية إطلاق النار ومقتل مستوطنين، إلى أن الأجهزة الأمنية تخشى أن يؤدي العقاب الجماعي لأهالي الضفة الغربية المحتلة إلى انفجار أمني، على الرغم من بقاء الضفة هادئة على الصعيد الأمني في أعقاب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والإجراءات العقابية الأميركية بحق الشعب الفلسطيني، بالمقارنة مع مسيرات العودة التي انطلقت في 30 آذار/ مارس ومستمرة لغاية اليوم على الشريط الأمني الفاصل شرقي قطاع غزة.
وفي حال انفجرت الأوضاع في الضفة فإن الاحتلال سيسعى بقوة لتهدئة جبهة غزة ليضمن أنها تبقى خارج المواجهة، حتى تستفرد بالضفة كما فعلت بغزة سابقاً.