كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن التداعيات السلبية الناجمة عن عملية اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، بعد ستة أسابيع، تسببت في إلحاق ضرر بولي العهد محمد بن سلمان، وريث العرش في السعودية، كما هبت على المملكة رياح الحرس القديم، الذين باتت آراؤهم مسموعة مرة أخرى.
وقالت الصحيفة وفقاً لتقرير نشرته أمس، إن قادة المملكة العربية السعودية، رغم أنهم يُظهرون علناً الشعور بالأسف وعزمهم على محاسبة المتورطين في جريمة قتل خاشقجي "الشنيعة"، إلا أن أفراد بارزين في العائلة المالكة، وعلى رأسهم ولي العهد، يلقون سراً باللوم على تركيا في إثارة السخط العالمي، الذي يقولون إنه كان من الممكن احتواؤه إذا كانت أنقرة قد أدارت الموقف وفقاً لـ "قواعد اللعب الإقليمية"!، على حد تعبيرهم.
ووفقاً لمصادر مقربه من البلاط الملكي في الرياض، فإن سبب الاستياء الرئيسي من تركيا هو وجهة نظر ترى أَن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "خان" المملكة السعودية من خلال الكشف عن تفاصيل التحقيق، ورفضِ جميع العروض المقدمة من مبعوثين سعوديين، وضمن ذلك عرض لدفع تعويض مادي كبير، بحسب "الغارديان".
وأوضح مصدر إقليمي للصحيفة البريطانية قائلاً: "يقولون إنهم تعرضوا للخيانة من جانب الأتراك"، مضيفاً "أن هذا هو محور معظم آرائهم التي لا تخرج إلى العلن"، وما زالت تداعيات مقتل خاشقجي غير العادية تتردد أصداؤها في أروقة السلطة بالرياض، حيث تتخذ الآن بعض القرارات بعيداً عن ولي العهد، الممتدة سلطته إلى كل مجالات الحكم، والذي تشير تركيا بشكل غير مباشر إلى أن أمر الاغتيال صدر منه مباشرةً، ومنذ ذلك الحين حاول صرف اللوم عنه باستخدام أكباش فداء، من ضمنهم كبار مستشاريه.
وكانت أنقرة تهدف إلى "تهميش" امحمد بن سلمان من خلال توجيه الخطاب على مدار أسابيع، إلى الملك سلمان ومناشدته كبح جماح ابنه، واستعادة المزيد من الطرق التقليدية في القيام بالأعمال.
وأوضحت "الغارديان أن عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الوحيد الباقي على قيد الحياة للملك سلمان، إلى الرياض، فسر على نطاق واسع، في وقتٍ سابق من شهر نوفمبر الجاري، باعتبارها خطوة أولى نحو استعادة نظام قديم كانت تتخذ فيه عملية صنع القرار بعد مشاورات مكثفة بين كبار السن من أفراد العائلة المالكة السعودية.
وأشارت الصحيفة إلى أن شخص بارز أخر، وهو الأمير خالد الفيصل قادت الوفد السعودي لمقابلة أردوغان في شهر أكتوبر الماضي، وكان الملك نفسه -الذي انعزل كثيراً عن دوره كقائد للمملكة منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان وريثاً له- ملء السمع والبصر في الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى بالاجتماعات، وفقاً لمصدر رفيع المستوى.
وأكد المصدر: "لقد قصت أجنحة محمد بن سلمان، ما من شك في ذلك، هو لم يصبح لديه العجرفة نفسها، كما أنه خائف من ارتكاب أي خطأ كغيره من البشر، وهذا تغيير كبير".
وقالت الصحيفة إنه في الأيام التي تلت مقتل خاشقجي، تحول رد الفعل السعودي الرسمي من إنكار تام أنه كان له دور، إلى اعتراف على مضض بأن خاشقجي قد قتل إثر شجار، وبذل الأمير محمد بن سلمان جهوداً مضنية لاستيعاب حجم رد الفعل، بل حتى السبب الكامن وراء رد الفعل الواسع على الساحة الدولية.
وقال المصدر الإقليمي: "بن سلمان كان يلوم الأميركيين أولاً على خيانتهم إياه»، وأضاف: "هو رأى انتهاكات سجن أبو غريب، وعمليات التسليم الاستثنائية للمتهمين، وعقوبات الإعدام، وشعر بالارتياح من ترامب، لم يستطع فهم سبب حدوث ذلك له"، ومنذ ذلك الحين، انتهى احتضان القادة الغربيين، الذين كانوا متحمسين للأمير محمد بن سلمان، وحل مكانه الترقب والحيطة، ووجهة نظر مفادها أنه يجب وضع حد لبعض المعارك والخصومات الإقليمية التي أُطلقت باسم الأمير، في إشارة إلى حرب اليمن وحصار قطر.
وقال دبلوماسي بريطاني، تواصلت معهم صحيفة الغارديان البريطانية، رفض الكشف عن اسمه: "رأينا وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يتحدث بقوة عن اليمن، لم يكن يتحدث بلهجة تعاون ومساندة، بل كانت لهجة مختلفة للغاية"، كما طالب بومبيو في 31 أكتوبر 2018، السعودية بوقف إطلاق النار في اليمن 30 يوماً.
وتبنى جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، المطلب ذاته في يوم الجمعة 9 نوفمبر 2018، حين طالب ببدء مفاوضات السلام بين السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، هذه التصريحات كانت الأقوى من مسؤول أميركي عن الحرب التي دامت عامين على الحدود الشرقية للمملكة.
وفي يوم الجمعة 9 نوفمبر 2018، قالت الولايات المتحدة إنها لن تزود الطائرات السعودية المقاتلة التي تقوم بمهام في اليمن بالوقود، في إشارة أخرى إلى أنّ أهم حليف للرياض، ومورِّد معظم أسلحتها، يفقد الثقة بالحملة العسكرية، يعيد مسؤولون أميركيون النظر أيضاً في حصار قطر الذي تقوده السعودية، كما يسعون لإيجاد طرقٍ لإجبار ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، على التراجع عن قراره دون التقليل من صورته أمام منتقديه أو المعنيّين بوجوده داخل السعودية.
وقالت الصحيفة البريطانية إنه ليس هناك رغبة قوية لدى لندن وواشنطن في إبعاد الأمير محمد عن منصبه، كما أن أنقرة -التي تعارض بشدةٍ وليَّ العهد، وإن كانت على وفاق مع الملك سلمان- يتم الضغط عليها بشدة من جانب حلفاء الرياض، لقبول أن الأمير محمد لن يتنحى عن منصبه.
ويرى تقييم للحكومة البريطانية أن هناك خطورة في الانزلاق ثانيةً نحو عودة سطوة المؤسسة الدينية، وإلغاء التغيير الاجتماعي الذي تحقق، كذلك تدهور الاقتصاد السعودي، إذا حدث انقلابٌ في القصر السعودي.
وقال مسؤولٌ أميركيٌّ مختص بالسياسة الأمنية السعودية: "من مصلحة الجميع أن نجد طريقةً للمضي قدماً، يستطيع قادة العالم التعايش معها".
وقال الرئيس التركي إن أنقرة أطلعت السعودية والإمارات وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على تسجيلات صوتية ترصد مقتل جمال خاشقجي، الذي قتله فريقٌ من 15 موظفاً أمنياً سعودياً، سافروا إلى إسطنبول، وانتظروا حضوره للقنصلية السعودية لتوقيع أوراق زواجه، في الثاني من أكتوبر 2018.
كما أكد رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، أن عملاء للاستخبارات الكندية استمعوا إلى تسجيلٍ يرصد اللحظات الأخيرة من حياة خاشقجي. بعد ذلك، حذت ألمانيا حذوها، فيما بدا أنه جهد منسق لإبقاء الضغط على الرياض.
وقالت الصحيفة إن ما تم تسجيله في الأشرطة التسجيلية لا يزال محور القضية ويدين المملكة، ويمكن أن يساعد في الإجابة عما إذا كان ولي العهد نفسه قد تورط في الجريمة من خلال المحادثات، وقد أُقيل مساعده الداخلي سعد القحطاني، وأيضاً نائب رئيس المخابرات، بعد أسبوعين من واقعة الاغتيال، ويزعم محمد بن سلمان على أنه لم يكن له يد في هذه الجريمة، وأن القَتَلة تجاوزوا أسيادهم، إلا أن مسؤولوا الاستخبارات بالمنطقة، وفي أوروبا غير مقتنعين بهذا الزعم.َ