بينما يرفع محمود عباس سقف شروطه لإتمامه مصالحة فلسطينية، ينتقل سريعا في علاقته مع الاحتلال من حالة الاستسلام إلى حالة الانسجام بل والاستمتاع بدوره في خدمة (إسرائيل).
قد يظن القارئ للوهلة الأولى أن في هذه السطور تجنيا أو بعداً عن الموضوعية، لكن عند التدقيق قليلاً في تصريحاته التي أطلقها أمام شبان (إسرائيليين) حضروا إلى مقر المقاطعة تتبدى له حقيقة الموقف، عندما قال لهم: "أريد أن ألتقي مع جيل الشباب في إسرائيل. الجيل الذي نعمل هذه الأيام من أجل مستقبله، من أجل أن يعيش بأمن واستقرار في هذه المنطقة".
يقول عباس هذا الكلام محاولاً استمالة المجتمع الإسرائيلي للتأثير في الانتخابات الإسرائيلية لتمديد فترة اعتماده في "الخدمة" في الوقت الذي يشن حملة تجويع ضد أبناء شعبه في غزة.
هكذا إذن، عباس موجود للحفاظ على أمن الجيل الإسرائيلي، ولذلك لا يبدو أنه سيقترب من أي من فصائل المقاومة ولو سنتيمتر واحد، قد يجد من يطبل له من بعض المستفيدين؛ لكن على الأرجح إن أي مصالحة لن تكون قريبة مهما تقدم الآخرون خطوات في سبيل تحقيقها.
الغريب في السلوك العباسي أنه لا يجد من يقول له (لا) من داخل البيت الفتحاوي أو يوجه له أي انتقاد في الوقت الذي تجد حراكاً قاعدياً في غالبية الفصائل تنتقد قادة أحزابها عندما يقعون في أي زلة كبيرة أم صغيرة.
وفي ظلال تصريحات عباس الجديدة نتذكر أن الراحل أبو عمار كان لديه حدس خاص عندما أطلق على عباس كرزاي فلسطين نسبة إلى حامد كرزاي الرئيس الأفغاني الذي عينته الولايات المتحدة بعد احتلالها لأفغانستان.
عباس تقدم على كرزاي بخطوات كبيرة، ويبدو أن هذه الخطوات أو الانزلاقات لم تتوقف عند أي حد وكلما ظن المتابع أنها نهاية البئر يواصل عباس السقوط.