قائد الطوفان قائد الطوفان

المحامون يرفعون "الفيتو" ضد النقابة.. من يهدر أموال أصحاب الروب الأسود؟

نقابة المحامين بغزة
نقابة المحامين بغزة

الرسالة-لميس الهمص


في سابقة خطيرة وخلال اجتماع الهيئة العامة السنوي لنقابة المحامين رفض المحامون اعتماد التقريرين المالي والإداري للعام 2018م، وهو ما أزاح الستار عن تجاوزات مالية وإدارية خطيرة وتبديد لمقدرات وأموال المحامين.

سفريات.. مصروفات مبالغ فيها.. تبديد أموال عامة، هي جزء من التجاوزات لمجلس إدارة النقابة الذي يستغل غياب الرقابة، وضعف بنود القانون الذي يفتقر لعقوبات جعلت من الرقابة على النقابة بروتوكولا شكليا "لا يقدم لا يؤخر"، حسب الافادات التي حصلت عليها "الرسالة".

المجلس الذي أمن العقاب أساء التصرف بميزانيات النقابة الضخمة التي تفوق ميزانية وزارة حكومية، وتجبيها من رسوم الاشتراك والدمغات المبالغ بثمنها، بشهادة محامين.

 "الرسالة" بحثت في تلك التجاوزات وحاولت معرفة المسؤول عن الرقابة وكيف غابت المحاسبة.

لا يوجد تدقيق

بدأت "الرسالة" خطواتها بالاطلاع على التقريرين المالي والإداري المختلف عليهما فوجدت أن حجم المصروفات للعام 2018م بلغ 2.104 مليون شيقل ( 2.104.341.83) ، فيما بلغت إيرادات النقابة 4.5 مليون شيقل (4.514.194.55) منها 672.5 ألف شيقل (672.505.04) رسوم اشتراك وعضوية و347 ألف شيقل (347.080.00) حصلت عليها مقابل بيع دمغات، فيما بلغ  حجم الأصول المتداولة للعام 2018، 18.5 مليون شيقل ( 18.572.873.53 شيكل).

التقرير تعرض لملاحظات شركة طلال أبو غزالة الخاصة بالتدقيق المالي التي بينت أن النقابة لا يوجد بها وحدة تدقيق داخلي لمراجعة المعاملات المالية قبل وبعد الصرف على أن تكون تبعيتها للإدارة العليا، موضحة أن حسابات المشاريع يجهزها المحاسب الخاص بالمشروع دون تنسيق مباشر مع الدائرة المالية للنقابة.

 

شركة تدقيق مالي: لا توجد وحدة تدقيق داخلية بالنقابة لمراجعة المعاملات المالية

 

 

وتقوم مهمة وحدة التدقيق الداخلي على ضبط الصرف والحسابات وتقويم العمل حفاظا عليه من أية تجاوزات.

ويفتح غياب الوحدة في نقابة المحامين، التي تمتلك موازنات ومبالغ ضخمة، الباب أمام الكثير من الأخطاء المالية والتجاوزات لغياب المراجعة، ويثير السؤال إذا ما كان الإصرار على عدم وجودها متعمدا رغم عمر النقابة الطويل.

وذكرت شركة أبو غزالة أن إدارة النقابة لم تقم بتكوين مخصص مكافأة نهاية خدمة للعاملين حتى 31 ديسمبر2018م وفقا لقانون العمل الفلسطيني.

تجاوزات كبيرة

فتحت "الرسالة" ثاني صفحات ملف النقابة الذي تغيب تفاصيله عن وسائل الإعلام مع المحامي والخبير في القانون الدولي الدكتور عبد الكريم شبير الذي كشف عن تفاصيل وكواليس اعتراض الهيئة العامة للمحامين على التقارير المالية والإدارية لمجلس إدارة النقابة، الأمر الذي أدّى لإسقاطها ومطالبة هيئة الرقابة بالتدخل.

وقال شبير لـ"الرسالة" إنّ المحامين اعترضوا في جلسة الهيئة العامة على التقريرين المالي والإداري والأنظمة التي تقدم بها مجلس الإدارة، بسبب وجود تجاوزات مالية وإدارية وأخطاء "كبيرة لا تحصى".

 

المحامي شبير: مجلس النقابة يستخدم المال العام لمصلحته

 

 

وأوضح أن التجاوزات تتمثل في "المصاريف والسفريات وأموال الدمغات والتقاعد الخاصة بالمحامين الموجودة في البنوك دون استثمار".

وذكر أن استثمار أموال المحامين في الضفة وصلت لـ"30 مليون دينار أردني"، بينما لم تزد في غزة عن مليوني دينار.

وأشار إلى أن مجلس الإدارة لم يأخذ بتوصيات المدقق المالي للتقارير السابقة وهي "شركة أبو غزالة"، في كيفية إدارة المال العام، "وكتب ذلك في توصيات التقرير.

ومن بين التجاوزات التي اعترض عليها المحامون "رواتب موظفي النقابة العالية وعددهم 29 شخصا".

كما اعترض المحامون على السفريات والرحلات التي أجراها أعضاء من المجلس دون فوائد وعوائد تعود على النقابة.

وبيّن أن من بين الملاحظات كان استخدام المال العام لمصلحة بعض أعضاء مجلس النقابة، وكذلك استخدام سيارة النقابة لأبناء وأقارب بعض أعضاء المجلس، "الأمر الذي يستهلك نفقات تبدد من المال العام".

وشددّ شبير على قناعته فيما ورد من ملاحظات أعضاء النقابة، مشيرا إلى ضرورة أن يأخذ أعضاء المجلس بالتوصيات ويشرعوا بتصحيح وتصويب التقارير المالية والإدارية والأنظمة.

وأشار إلى أنه في حال رفض المجلس القيام بتلك الخطوات، فهنا يمكن أن تتدخل "لجنة الرقابة" التي يناط بها الحفاظ على المال العام، مشددّا في الوقت ذاته على ضرورة سيادة القانون.

وذكر أن بيّنات إدارة المجلس لم تقنع المحامين بقانونية التقارير ومدى صلاحية الأنظمة التي عرضتها على الهيئة العامة.

وبحسب شبير، فإنه في حال فشل إقرار التقريرين المالي والإداري، كان يجب على المجلس دعوة كبار المحامين والكتل النقابية لمناقشة ما حدث، لكن تلك الخطوة التي لم تتم لهذه اللحظة بكل أسف".

إهدار مقدرات المحامين

وفي إطار الحديث عن الكتل النقابية ودورها في تلك "الأزمة" توجهت معدة التحقيق للمحامي خالد بدوي رئيس الكتلة الإسلامية في نقابة المحامين في قطاع غزة، الذي قال إن التقرير المالي والإداري يجري اعتماده تلقائيا خلال اجتماع الجمعية العمومية منذ قرابة العشرين عاما، لكن المحامين هذا العام درسوا التقرير المالي فوجدوا تجاوزات تؤكد تبديد أموال المحامين وهو ما أدى للتصويت ضد إقرار التقريرين المالي والإداري.

وبين أن ما جرى نابع من وعي أعضاء الهيئة العامة للنقابة، خاصة وأن غالبيتهم من فئة الشباب، مشيرا إلى أن المحامين لمسوا أن مجلس نقابة المحامين لم يتقدم في الفترة السابقة للهيئة العامة بأي إنجاز يذكر، وخدماته ضعيفة لا تتناسب مع وضع المحامين وحجم اشتراكاتهم السنوية.

 

 

الكتلة الإسلامية: النقابة تهدر المال العام ووثقنا تجاوزات كبيرة

 

يشار إلى أن الاشتراك السنوي في نقابة المحامين يبدأ من 200 دينار سنويا ويصل إلى 500 دينار.

ووفق بدوي فإن المحامين ركزوا على التقرير المالي بسبب حجم التبديد، وساءلوا المجلس عند بند السفريات الدورية ومدى العائد على النقابة منها، كما أن بند الصيانة الذي وصل إلى 41 ألف دولار كان محل شك من المحامين.

ولفت إلى أن المحامين تفاجئوا ببند المشاريع الذي من المفترض أن يخدم المحامي ويقدم له الدعم إلا أن ما عرضه التقرير المالي يبين أن النقابة تصرف على المشاريع المدعومة، متسائلا ما جدوى المشروع الخارجي في حال صرفت النقابة ضعف المبلغ المقدم من الجهة الداعمة للمشروع "فبدلا من أن تستفيد النقابة من المشروع تصرف عليه"، موضحا أن ذلك يفتح باب الشك في مصداقية المصروفات.

وأشار إلى أن مبالغ الضيافة وأكاليل الورد مثلا مبالغ فيها، حيث بلغ حجم الانفاق على أكاليل الورد خلال العام الماضي 17 ألف شيكل، موضحا أنهم خلال مساءلة المجلس ومناقشته كانت ردود أمين الصندوق ونائب النقيب "باهتة".

وأكد بدوي أن الكثير من أسئلة المحامين لم يجيبوا عليها، منها الأسئلة المتعلقة بالدمغات من حيث عددها وكم الوارد منها، وآليات طباعتها ومحاضر إتلافها، مبينا أن المحامين شعروا باستخفاف المجلس بملاحظاتهم ما دعاهم للتصويت بأغلبية ضد التقريرين المالي والإداري.

وفي 4 مايو/ أيار الجاري، عقد اجتماع للهيئة العمومية الثاني (بمن حضر نحو 380 محاميًا)، وكانت نسبة التصويت (في التقرير الإداري 172 صوتا (غير موافق) و157 (موافق)، أما التقرير المالي 186 (غير موافق) ، و92 (موافق)، وبهذه النسب سقط التقريران الإداري والمالي)، ما يظهر أن مجمل الأعضاء كانوا ساخطين على بيانات التقرير.

الانتخابات ضرورة

استمرت "الرسالة" بالانتقال الى حلقات جديدة من دائرة التحقيق، والتقت بأمين سر الاتحاد الإسلامي بنقابة محامي فلسطين-الإطار النقابي لحركة الجهاد الإسلامي مراد بشير الذي شدد على أن مصروفات النقابة مبالغ فيها، مشيرا إلى أن النقابة كانت تنظم سنويا إفطارا رمضانيا بمبلغ 60 ألف شيكل ورحلة بحرية بمبلغ 50 ألف شيكل، التي ألغاها المجلس بسبب الوضع المالي، ومع ذلك فإن مصاريف العام 2018 تزيد عن مصاريف 2017م بـــــــــ 200 ألف شيكل.

وشهد العام الماضي سفريات للمجلس إلى تونس بتكلفة 50 ألف شيكل دون أي نفع عاد على المحامين، مشيرا إلى أن عدم إقرار التقريرين المالي والإداري جاء نتيجة للتجاوزات، وإن لم يظهر أي أثر للاعتراض حتى اللحظة.

ووفق بشير فإن القواعد العامة لعدم الإقرار تعني حجب الثقة عن المجلس كالتزام أدبي وأخلاقي رغم عدم وجود نص في القانون على ذلك، مع ضرورة الدعوة لانتخابات مبكرة.

ويرى أنه بناء على عدم إقرار التقرير المالي يفترض تشكيل لجنة تحقيق مستقلة من خبراء ماليين للحكم على مخرجاته.

ويؤكد أن النقابة عقدت اجتماعا استثنائيا لإقرار نظام التقاعد لكن الأصل أن تجتمع الجمعية العمومية لإقرار موازنة العام الجاري، لكن لا يهم المجلس إعمال القانون "على حد تعبيره".

وينص القانون على ضرورة إقرار الموازنة قبل فرض مصاريف على المحامين، لكن ذلك لم يحدث.

 

الاتحاد النقابي: أدبيا على المجلس الدعوة لانتخابات مبكرة

 

 

السؤال عن الإجراءات القادمة التي من المفترض أن تعقب التصويت ضد تقارير مجلس النقابة، كان محطة الرسالة الجديدة، حيث أكد المحامي عبد الكريم شبير على أن الأطر النقابية والمحامين المهتمين سيجتمعون لإقرار خطوات قادمة متفق عليها.

وفي ذات سياق الإجراءات المقبلة يذكر بدوي رئيس الكتلة الإسلامية النقابة أنه لا يوجد نص قانوني يوضح الإجراءات المترتبة على عدم إقرار التقريرين المالي والإداري، موضحا أن العرف الدارج ومبادئ القانون تنص على شكاوى تقدم لديوان الرقابة المالية والإدارية ووكيل وزارة العدل ليمارسوا دورهم الرقابي على النقابة وتشكيل لجنة تحقيق.

ودعا إلى تحقيق نزيه يجرم المذنب في حال وجود مخلفات ترقى لجريمة، وتصحيح المسار في حال عدم وجود أخطاء ترتقي لجرائم.

وأكد بدوي أن العديد من المحامين تقدموا بشكاوى للجهات المختصة في انتظار الردود، موضحا أن أعضاء مجلس النقابة يحاولون التستر على ما جرى في الاجتماع مع الترويج لعدم وجود مشاكل مع امكانية إجراء تعديل على التقرير المالي لإقراره بأغلبية في العام القادم.

تأكيد التجاوزات

حالة الانقسام بين أعضاء مجلس إدارة النقابة ظهرت في عدم مصادقة عدد من أعضاء المجلس على التقريرين المالي والإداري، وبعضهم لم يوقع عليها وهو ما يخالف القانون الذي يوجب توقيع كل أعضاء المجلس، مما أكد شكوك البعض بوجود مخالفات لا يريد أولئك الأعضاء تحمل مسؤولياتها.

"الرسالة" التقت الدكتور سلامة بسيسو عضو مجلس إدارة نقابة المحامين، ومساعد الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، الذي رفض التوقيع على التقريرين المالي والإداري، الذي أكد بدوره على تجاوزات مجلس النقابة، الأمر الذي دفعه إلى عدم التوقيع على التقريرين الصادرين عن المجلس رغم اشتراط القانون توقيع كل الأعضاء.

 

عضو مجلس نقابة: لدي تحفظات على المصاريف لذلك لم أوقع على التقريرين

 

 

وأشار إلى تحفظات لديه على التقريرين، كما أن مدقق الحسابات أكد في التقرير المالي أن المدفوعات هي بناء على قرارات المجلس لكن رغم أنه عضو مجلس ليس لديه علم بغالبية التفاصيل.

ولفت إلى أن لديه تحفظات كبيرة على المصاريف المبالغ فيها بخصوص السفريات والكثير من الإجراءات.

ويرى بسيسو أن المجلس من المفترض أن يصلح من أدائه، وأن تكون هناك خطوات ملموسة في طريق تقويم العمل خاصة أنه لم ينل الثقة، مستدركا: "المجلس اجتمع أكثر من مرة بعد تلاوة التقريرين المالي والإداري لكن لا يوجد أي شيء عملي على الأرض باتجاه تصحيح الممارسات.

نقابة فوق القانون

بعد السؤال عن الجهة صاحبة الحق بالرقابة على نقابة المحامين وجدت معدة التحقيق أن مرجعتيها عائدة لوزارة العدل، إلا أن الوزارة ليس لديها أي صلاحيات في محاسبتها كما أن النقابة ترفض التجاوب معها.

ما سبق أكده ساجي قديح مراقب النقابات في وزارة العدل، الذي قال إن نقابة المحامين لها قانون ونظام أساسي منفرد، مؤكدا أن التواصل مع النقابة معدوم، وأضاف: "النقابة تعتبر نفسها فوق القانون".

 

العدل: مخالفات مالية وإدارية واضحة لكن القانون لا يخولنا بالمحاسبة

 

 

وتتبع نقابة المحامين قانون رقم (3) لسنة 1999 م لتنظيم مهنة المحاماة.

ووفق قديح فإن هناك قصورا في قانون النقابات حيث لا يمنح صلاحيات لوزارة العدل لتنفيذ أي عقوبات في حال وجود تجاوزات قانونية، كما حدث في حالة عدم إقرار التقريرين المالي والإداري في نقابة المحامين.

وبين أن القانون لم يعط صلاحيات للوزارة في حال عدم إقرار التقرير المالي والإداري بحل مجلس الإدارة ولا تقريب موعد الانتخابات أو تشكيل لجنة تحقيق، متسائلا "ما فائدة دورنا الرقابي، إذا كانت لا توجد لدينا صلاحيات حتى لتحويل المتجاوزين للنائب العام؟".

ويشير قديح أن وزارته طالبت منذ سنوات المجلس التشريعي ومجلس الوزراء بتعديل قانون النقابات، لكن بسبب الأوضاع السياسية لم يأت أي رد.

ويؤكد قديح وجود تجاوزات كبيرة في النقابة "فهل يعقل أن يكون ثمن "بوكيهات الورد"  16850 شيكل خلال عام واحد،  كما أن التقرير يشير إلى أن دخل الشاليه الخاص بالنقابة 2500 شيكل والمصروفات عليه بلغت 3500 شيكل رغم أن الشاليه يؤجر يوميا خلال فترة الصيف وهو ما يدر مبالغ كبيرة على النقابة.

ويعرض التقرير المالي أن مصرفات السفر لأحد أعضاء مجلس الإدارة لمدة أسبوع لجمهورية مصر العربية بلغت 7 آلاف دولار.

ويؤكد قديح قائلا: النقابة لا تعترف بسلطة وزارة العدل، رغم أن القانون يلزمها بوجود مندوب عن الوزارة في اجتماعات الجمعية العمومية أو في حال حدوث أي تغييرات في القانون الأساسي للنقابة لكن خلال الاجتماع الأخير تم منعنا من دخول القاعة.

ويبين قديح أن النقابة تتجاوز حتى قانونها الأساسي الواسع الذي يمنحهم صلاحيات واسعة، مشيرا إلى أنهم راسلوا ديوان الرقابة المالية والإدارية وأجروا تحقيقا، ونتائجه أكدت وجود تجاوزات خطيرة وصلت لممارسة المحاماة من أشخاص لا يملكون شهادات جامعية لكنهم يعتمدون شهادات مزاولة منحت لهم من النقابة.

ويؤكد قديح وجود مخالفات صريحة في النظام الإداري، بالإضافة لمخالفات مالية.

أمام تقارير مجلس إدارة النقابة، المرفوضة من أعضاء الهيئة العامة، وفي إطار تشاور الأطر النقابية لاتخاذ موقف موحد، وغياب دور وزارة العدل، يبقى السؤال مفتوحا: من يراقب نقابة المحامين؟

البث المباشر