رشا فرحات
شركاء
بكت فقرها، بحثت في صفوف قريناتها الميسورات الحال، عمن يداري خيبتها، ويبحث في دفاتره عن صداقة قديمة جمعتها بهم في ذات فصل قارس البرودة، في سنة مليئة بالصدق والوفاء، فلم تجد من يحمل عنها ما يختلج في صدرها من أثقال، مشت بطيئة الخطوات في هبوب رياح مثلجة، على جسدها الذي بات خالياً من الإحساس، مرت أمام أبوابهم جميعها، دون رغبة بالدخول إلى أي منها.
طرقت باباً لا تعرفه، وتحدثت إلى أولئك الغرباء، وهم يفترشون الأرض ويلتفون حول المدفأة الفقيرة البطيئة الاشتعال، وأيديهم تمتد إلى صحن وحيد في غرفة وحيدة، وصوت ضحكاتهم يعلو ليخترق صدرها الموجوع، حينها فقط ابتسمت وشعرت بالدفء.
تحاور
في اجتماع عاشر، يشبه التاسع تماماً، يجلس جميعهم في ثيابهم الأنيقة، يقف ذلك الرجل ليملي اقتراحات التغير، متحدثاً باسم أولئك المنتظرين أمام الباب، يتبنى احتياجاتهم، يرفع ذلك القابع في أخر المجلس يده ليدلي بملاحظة عابرة، مجدية مشوقة، يشهد له الجميع، يصفقون، ويضحكون، يتحدث ذلك الجالس في الزاوية الأخرى يملي عليهم حلاً بسيطاً لأزماتهم الاقتصادية، ويطلق عنان نصائحه لمحاربة الفقر، يصفق الجمهور عالياً، يوقعون ورقتهم التي تحمل رقم عشرة، كتلك التي تحمل رقم تسعة، ينتهي اللقاء، تخرج صورهم لتتقلد صفحات الجرائد، يخرجون عائدين إلى بيوتهم، يركبون سياراتهم سوداء اللون، وخلفهم أولئك المنتظرون أمام الباب، ما زالوا ينتظرون.
أركان الفقر
فتح باب خزانته على مصراعيها وبدأ يعد قطع الثياب المتناثرة المتهرئة، وهو يحاول تذكر أخر مرة سعدت خزانته بشراء قطعة جديدة، إنه أول الشهر، ولا مانع من شراء قميص جديد، بدأ يحسب ويعد ويكتب، قسم راتبه إلى أبواب منظمة تلك التي يقسمها كل شهر، اهذه أوراق للطعام، وتلك للكهرباء، وهذه لفاتورة الماء، وتلك لحليب طفلتهِ الرضيعةِ، وهذه مدرسة أطفاله الأربعة، انتهت الصفحة، فرح كثيراً لأنه استطاع تنظيم مصروفاته، ليبقى فيها متسع يسمح له باقتناء قطعة جديدة يستر بها جسده النحيل. في وسط فرحته، تدخل ابنته راكضة ترتجف بعد ضياع معطفها الذي طيرته رياح عاصفة في طريق عودتها من المدرسة، ابتسم وبدأ يعيد ترتيب ورقته من جديد.