تستعد دول كثيرة حول العالم لتخفيف عمليات الإغلاق التي اتُخذت كإجراءات احترازية لاحتواء فيروس كورونا المستجد، مع الحفاظ على أكبر قدر ممكن من قواعد التباعد الاجتماعي، ومنها ارتداء الكمامة الواقية التي انتشرت بشكل غير مسبوق في المساحات العامة.
وتأتي هذه الإجراءات في محاولة لإعادة تنشيط الاقتصادات والمجتمعات، بعد أسابيع طويلة من انغلاق الناس في منازلهم أو امتناعهم (أو منعهم) من زيارة المساحات العامة استجابة لأوامر السلطات، للحد من انتشار الفيروس، لكن ارتداء الكمامات يُنذر بمستقبل غير واضح المعالم بعد.
وأعدت قناة "سي إن إن" الأميركية الإخبارية، تقريرا بهذا الصدد قالت فيها إن حركة المجتمع الجديدة التي ستتطلب من الناس تغطية وجوههم، قد تخلف تأثيرات واسعة على عالم الجريمة والأمن، والتفاعل الاجتماعي.
وقال أستاذ علم الجريمة من جامعة كينغستون البريطانية، فرانسيس دودسورث، لـ"سي إن إن"، إن "المشكلة الرئيسية التي يتسبب بها انتقال الناس نحو ارتداء الأقنعة، تكمن في الحجم الهائل من الأشخاص الذين أصبحوا يغطون وجوههم فجأة. ويمكن أن يخلق ذلك فرصا للأشخاص الذين يريدون تغطية وجوههم لأغراض شائنة. إذ يمكنهم أن يقوموا بذلك الآن دون إثارة شكوك".
وشددت "سي إن إن" على أنه في حين أن هذه التكهنات قد تكون محض مبالغة لبعض الدول في آسيا، والتي انتشر فيها ارتداء الأقنعة منذ أكثر من عقد بسبب الأوبئة التي اجتاحتها في الماضي، إلا أن "أدلة" حديثة تشير إلى تزايد استخدام "مجرمين" للكمامات في الولايات المتحدة وغربي أوروبا، لتنفيذ مآربهم.
التعرف على الوجوه
قال بعض الخبراء للقناة إن الارتداء الجماعي للكمامات، قد يعقد التحقيقات في الجرائم أيضا، إذ يصبح التعرف على الوجه جزءًا متزايد الأهمية في تعقب المجرمين، ولن يكون سهلا لا على المستوى التكنولوجي ولا البشري العادي.
وذلك يُسبب مشكلة لأجهزة الشرطة، خصوصا أنه، وبحسب المحاضرة في علم النفس المعرفي بجامعة هيدرسفيلد البريطانية، إيليدي نويز، فإن لقطات كاميرات المراقبة في بعض الأحيان هي الدليل الوحيد في التحقيق، والتي أضافت أنه: "حتى اللحظة، لا نعرف بالضبط كيف ستؤثر الكمامات على دقة تحديد الوجه بشريا، أو بواسطة الخوارزميات (تقنية التعرف على الوجوه)".
وزعمت إحدى الشركات الصينية مؤخرا، أنها طورت برامج يمكنها تحديد الأشخاص بدقة حتى لو كانوا يرتدون أقنعة. ومع ذلك، لا يزال الخبراء يعتقدون أن ذلك لا يعني أن استخدامها سيُطبق في جميع الظروف، حتى وإن كانت تقنية الشركة دقيقة.
وذكرت "سي إن إن" أن أجهزة الشرطة حول العالم، ستواجه مشكلة أخرى في تحديد طبيعة المواقف التي تُرتدى فيها الكمامة، وما إذا كانت مريبة أم لا، إذ تمنع دولا كثيرة حول العالم، ارتداء الأقنعة في المظاهرات وأحيانا في الشوارع حتى، لأغراض أمنية، ولكنها اليوم مُضطرة إلى قبول ارتداء الكمامات في الحيّز العام، كإجراء احترازي ضد الفيروس.
وذلك قد يُترجم مثلا في عدم قدرة أفراد الشرطة على الاشتباه بأشخاص دون عن الآخرين بسبب ارتداء الجميع للكمامات، وسيواجهون صعوبة بتحديد من الذي تحوم حوله "شبهات" كافية للإيقاف والتفتيش، وبالنظر إلى أن أجهزة الشرطة في معظم أنحاء العالم، تتعرض لانتقادات بسبب إجراءاتها القاسية (ويدها الحديدية) في التعامل مع الناس أثناء الوباء، فإن أي معايير جديدة لسياسات التفتيش والاعتقال، ستكون مصدر قلق للأقليات المستضعة، والتي من المرجح أن تُستهدف بشكل أكبر من قبل أفراد الشرطة اليوم.
التأقلم مع العادة الاجتماعية الجديدة
يبدو ارتداء الكمامات أحد أكثر قواعد التباعد الاجتماعي اتباعا بين الناس، ربما لكونه أسهلها، لكن انتشار هذه العادة الجديدة بين الناس، جاء طوعيا في معظم الأحيان، دون أن تفرضه الحكومات بشكل مباشر.
وبدل أن يمثل مرتدي الكمامة الاستثناء كما كان في الماضي، فقد أصبح العكس هو الصحيح اليوم، وهذا قد يؤثر على التفاعلات الاجتماعية بشكل كبير.
وعلق أستاذ علم الجريمة دودسورث، بقوله: "عادة، إذا كنت تمشي بمفردك ورأيت شخصا ملثما، فقد تشعر بالقلق وتتجنبه. ولكن الآن أصبح من غير الواضح متى يجب أن تحتاط" من الآخرين، خصوصا أن عدم ارتداء الكمامة في الحيز العام تحوّل إلى ما يشبه وصمة "العار"، إذ يمثل "عدم اكتراث" بصحة الناس.
ولفتت "سي إن إن" إلى أن عدم رؤية وجه الشخص بالكامل، يخفي الإشارات العاطفية الحاسمة في تحديد الموقف العام منه.
وأوضحت المختصة بعلم النفس المعرفي نويز أنه "عندما ترى وجها، فأنت تفعل شيئين في آن واحد. تحاول تحديد هويته: هل أعرفه؟ كيف أعرفه؟، وتحاول قراءة مشاعره".
وأضافتت أن "التعرف على الانفعالات مهم من منظور تطوري لأنه يساعدنا على قياس التهديد ويمكنه أيضا تسهيل التفاعلات الاجتماعية الإيجابية. وهذا ينطبق على الأشخاص الذين نعرفهم جيدًا والذين لم نلتق بهم أبدًا".
ومن المتوقع أن يؤثر ارتداء الكمامات على نطاق واسع، على كيفية تفاعل البشر مع بعضهم البعض، وأن يزيد من التوتر بين أفراد المجتمع بسبب احتياجات أمنية شخصية.
وقال أستاذ علم النفس في كلية ترينيتي الإيرلندية، إيان روبرتسون: "لأسباب تتعلق بالنجاة، تحتاج إلى معرفة نوايا شخص ما عندما تقابله. وإن عدم القدرة على القيام بذلك بسهولة سيجعل الناس بطبيعة الحال أكثر حذرا ودفاعية، مما قد يؤدي في بعض الحالات، للأسف، إلى مواجهات عنيفة".
أما المتخصصة في معالجة الانفعالات من جامعة ريدينغ، كيت غري، فتتوقع أن يتكيف الناس مع الكمامات بسرعة، قائلة: "أعتقد أننا سنتعود بسرعة كبيرة على التقاط إشارات اجتماعية وعاطفية من الإشارات الصوتية أو لغة الجسد".