قائد الطوفان قائد الطوفان

لامبالاة دول الخليج والبدء بعملية التطبيع مع "إسرائيل"

محمد رسلان و لي لونج /// أكاديمية الدراسات الإسلامية – جامعة مالايا – كوالالمبور – ماليزيا

يتحدثُ الكثير من الناس عن التطبيع الدبلوماسي بين الإمارات و"إسرائيل" في الأيام القليلة الماضية مما تسبب في إثارة قلق القرّاء، ولكن الأمر لم ينته بعد فتسارع الدول الأخرى في اللحاق بهذا الركب، ومنهم البحرين وغالبا شمال السودان، وذلك لوجود تقارير تشير إلى كونهما قيد النقاش.
يُعدّ تكوين علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مسألة حساسة في العالم الإسلامي، فكما يُشاع دائما أن إسرائيل حصلت على استقلالها عام 1948 باتباع إجراءات لا أخلاقية ومجنونة، وهذا أدى إلى تجذير مواجهة بين إسرائيل والدول الإسلامية تستمر للأبد. ففي فترة السبعين سنة الماضية لوجود إسرائيل تُنتقد إسرائيل لتعذيبها الفلسطينيين لأسباب كثيرة منها رغبتها في زيادة المساحة المسيطر عليها.
يعتقد المسلمون أن لديهم التزام وواجب تجاه دعم الفلسطينيين بأي حالٍ من الأحوال في ظل هذه الأزمة اللاإنسانية المستمرة، ووصفوا أعمال إسرائيل بأنها ضم عسكري؛ ويعتقدون أيضًا أن المسلمين يعيشون كأمة واحدة، وهناك شعورٌ سائد بأن فلسطين لم تحصل على الدعم الحقيقي من المجتمع الدولي، خصوصا بوجود الأمم المتحدة التي –كما يظنون- غير فاعلة وفشلت في الحكم على الصراع بعدالة حتى هذه اللحظة.
ولا يستطيع المسلمون نسيان مشهد ضم إسرائيل الوحشي وتعذيبها للفلسطينيين من التلفاز والمذياع والصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا فإن إعلان الإمارات للتطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل طعنة تكسر القلب نفسيا عند الفلسطينيين، فستواجه الإمارات والبحرين انتقادًا لاذعا من الدول الإسلامية. عبّرت بعض الدول الإسلامية مثل باكستان وإيران وتركيا عن رفضها للتطبيع الدبلوماسي، رغم أن هذه الدول لديها علاقات دبلوماسية قائمة مع إسرائيل وذات أهمية شديدة للنظام الصهيوني.
ووجه المسلمون انتقادا لاذعا للتطبيع الدبلوماسي بين الإمارات وإسرائيل، ومن المتوقع أن البحرين ستواجه انتقادات مشابهة بعد إعلانها عن التطبيع الدبلوماسي أيضًا، وهذا أمرٌ يكسر قلوب الفلسطينيين والمسلمين خصوصًا لأنهم لن يعترفوا بأي مفاوضات مع إسرائيل حتى تعترف بمسؤوليتها عن المذابح المستمرة في فلسطين.
لم يهدأ الوضع السياسي الحالي في الشرق الأوسط بعد رغم إعلان انتهاء الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية (ISIS)، فالتأثير الدبلوماسي على الشرق الأوسط قد يُقال بأنه بدأ مرحلة جديدة من "الطبيعي". فالصراع السني-الشيعي قد يواجه فراغًا قريبًا بسبب مواجهة العالم لوباء كورونا المنتشر، وفقدت السعودية امتيازاتها في منطقة الشرق الأوسط، فهي مُلامة لصعود تنظيم الدولة وظهوره.
في الوقت ذاته، تريد تركيا زيادة تأثيرها على الشرق الأوسط، وهذا بفضل حركة العثمانية الجديدة الشعبية، وظهور المحافظين في تركيا وقوة القانون بعد فشل الانقلاب العسكري عام 2016، ومن الواضح أن الرئيس أردوغان أصبح رئيسًا مرموقا ويُمكن القول بأنه سلطان غير متوّج.
من ناحية جغرافية، تقع الإمارات والبحرين على الخليج العربي وهو طريق مهم للوصل بين الشرق والغرب، فالكثير من السفن التجارية والحربية تحتاج للمرور عبره أو أن تستريح فيه، خصوصا عند مضيق هرمز وهو تحت سيطرة إيران، وصار سلاحًا في يديها لتُحصّل مزايا اقتصادية أخرى ولتفرض عقوبات أجنبية. يقع مضيق هرمز بالقرب من الإمارات والبحرين، فإذا حصلت إسرائيل وأمريكا على حلفاء للسيطرة عليه أو على الأقل لمراقبته، فستقلل التكاليف التجارية المفروضة عليها. تريد الإمارات وإسرائيل التخلص من التوتر الدولي، وإنهاء طموح إيران وتركيا بما يتعلق بالسياسة الأجنبية. وعند التحدث عن الإمارات فإنّ أول ما يعلق بالذاكرة الأهمية الاقتصادية التي تلعبها أبو ظبي ودبي في العالم.
قد يقدم الآخرون تفسيرًا آخرا، حيث يحاول دونالد ترامب الاستمرار في حكمه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وهو يأمل بالفوز في الانتخابات الرئاسية التي تجري بينه وبين منافسه الشديد جو بايدن؛ ولكي يحقق هذا الهدف يجب أن يُريَ الناخبين انتصارات دبلوماسية، فهو مستمر في الرئاسة منذ ثلاث سنوات، وكما يبدو فإنه يُعدُّ لخلط الأوراق وميزان القوى في الشرق الأوسط. وحذر ترامب إيران من جهلها ميزان القوى في المنطقة.
نتيجة لذلك استاءت العلاقة الإيرانية-الأمريكية، فرغم انتشار وباء الكورونا في مارس 2020 لم تتغير العلاقة بين الدولتين على الإطلاق، وقد يطلب ترامب من الدول العربية إظهار "إخلاصها" والحفاظ على علاقتها مع الحكومة الأمريكية من خلال التطبيع الدبلوماسي مع إسرائيل. فيريد ترامب أن يعزز دور أمريكا مرة أخرى في الشرق الأوسط من خلال تطبيق نظرية القوى العظمى.
فهل ستتطور ليكون أثرها كبيرًا؟ لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال بسهولة. صحيحٌ أنّ بعض الدول الإسلامية أعلنت عن رفضها للتطبيع وذلك للحفاظ على وجودها كقائد مسلم

في العالم الإسلامي، إلا أن هناك دول إسلامية أخرى من المتوقع بقائها ساكنة منتظرة حدوث تطورات في الشرق الأوسط، فستظل هذه الدول مبينة لرأيها عن المسألة ولكن من غير المحتمل أن تطلب عمل تطبيع دبلوماسي مع إسرائيل. يسهل شرح هذه المسألة من منظور التزامها إنسانيا، فلا رغبة لديهم في التعاطي مع النظام الصهيوني.

البث المباشر