توفي المناضل المجاهد الفلسطيني الأسير المحرّر عمر البرغوثي "ابو عاصف" متأثراً بإصابته بوباء "الكورونا". قصة عمر وعائلته تؤرّخ.
تروى لأجيال. لتحفر في الذاكرة، ذاكرة الشعب التي لا تموت، وتبقى تمدّ ابناءه بروح الصبر والصمود والكفاح والجهاد دفاعاً عن حق لا يموت.
عمر البرغوثي اعتقل للمرة الأولى في نيسان 1978 بعد ايام من اعتقال شقيقه نائل وابن عمهما فخري بعدما نفذوا عملية ضد ضابط اسرائيلي، واتهموا بتفجير مقهى في القدس، وحرق مصنع زيوت. وترافق اعتقال عمر وشقيقه نائل مع سجن والدهما صالح البرغوثي، الذي كان يخضع أمامهما لشتى أنواع التعذيب على أيدي السجّانين الإرهابيين الاسرائيليين.
لم يضعفوا أمام "القاضي" الحاكم الاسرائيلي أغاظوه استفزّوه بصلابتهم وقوتهم وعزيمتهم وعزّتهم وكرامتهم ومع إعلان أحكام المؤبد ضدهم صاحوا بصوت عال هزّ قاعة المحكمة: "ما بنتحوّل يا وطني المحتل"، أفرج عنه عام 1985 في صفقة تبادل بين اسرائيل والجبهة الشعبية – القيادة العامة. ثم أعيد اعتقاله فأمضى ما يقارب الثلاثين عاماً في السجن. توفي والده عام 2004، وعام 2005 اشتد المرض على والدته فسمح لها بزيارته وشقيقه في سجن عسقلان ولمدة نصف ساعة فقط وصلت إليهما على سرير الإسعاف. اشتدا أمامها ليخففا عنها آلامها وليحرما السجّان من الشماتة وتنفيس حقده. كانت أماً استثنائية، أوصت ابناءها: "درهم الشرف أفضل من بيت مال"!!
عام 2018 استشهد نجل عمر، صالح برصاص الاحتلال. واعتقل نجله الآخر عاصم ولا يزال أسيراً ونائل شقيقه أمضى 41 عاماً في السجن وهو أقدم اسير سياسي في العالم حتى الآن!!
هذه حكاية عمر البرغوثي وعائلته. واحدة من حكايات الشعب الفلسطيني البطل. حكاية شعب الجد شهيد أو أسير والإبن مناضل وأسير. والحفيد شهيد والآخر أسير. والشقيق عميد الأسرى. الأسير أمير حرّ ورمز كرامة وتحرير وتقرير مصير. فكيف يهزم هذا الشعب؟؟ كيف تهزم هذه الروح؟؟ هذه التربية؟؟ هذه الثقافة؟؟ هذا الإيمان؟؟ هذه القناعة ؟؟ هذه الإرادة؟؟ هذه الصلابة؟؟
إنها حكاية الحياة. من الولادة حتى الشهادة. أطفال مشاريع أسرى وشهداء على طريق الأجداد والآباء يحملون راية النضال وأمانة الأجيال. ويسطّرون بالتربية والجهاد والممارسة والوفاء والتجربة والمعموديات والتضحيات أبلغ وأسطع الشهادات.
كيف يهزم شعب يحمل الأمانة والوصية "درهم الشرف أفضل من بيت مال"؟؟ وأطفاله يقلقون الاحتلال لأن الأسلاف زرعوا فيهم بذور العزّة والكرامة والشجاعة والوطنية والانتماء الشريف الى فلسطين؟؟
لا يعرف قيمة النضال والمقاومة والتضحية والوفاء والشهادة إلا من ناضل وقاوم وضحى واستشهد وجرح وأصيب وتعذّب وسلك درب المعاناة. وانحاز الى الحق والحرية والعدالة، ودافع عن الأرض والعرض، والتاريخ والذاكرة، وحمى مستقبل الأجيال. ولأننا أبناء مدرسة الشهيد كمال جنبلاط التي جسدّت هذه القيم، وكانت فلسطين ولا تزال وستبقى أمانتها ووصيتها لتلاميذها، ولأن المعلّم قدّم دمه فداء لفلسطين وحق شعبها، وعلى طريقه استشهد كثيرون، وقاوم كثيرون ولا يزالون على إيمانه. لأننا أبناء مدرسة الشهادة، ولأنني ابن "أم الشهداء" بيصور كما اسماها المعلّم، ولأننا وطنيون لبنانيون نعرف معنى الاحتلال وظلمه وقيمة مقاومة الإرهاب الاسرائيلي منذ 48 وحتى اليوم وقد هزمته إرادة أبطال كانت أقوى من جبروته وكل إمكاناته الحربية ودعم أميركا له فإن الوفاء لكل حرّ في هذا العالم، وخصوصاً لكل فلسطيني مناضل مقاوم شريف، يأتي صادقاً نابعاً من القلب ومن عمق التجربة والمعاناة في وجه الإرهاب الاسرائيلي وآلته العسكرية وحقده!!
لو أخترقت اسرائيل كل الساحات. ودخلت الى كل بيوت المال. تبقى عدوّة. وتبقى دولة الإرهاب المنظم. وتبقى فلسطين قضية شريفة محقة. ويبقى الشعب الفلسطيني شعباً مناضلاً مكافحاً مثقفاً متعلماً مقاوماً صاحب حق ولو جارت عليه مصالح الدول وتآمرت عليه قوى مختلفة.
وداعاً عمر البرغوثي وتحية الى كل الشهداء الأبرار والأسرى الأحرار والمناضلين الكبار والصغار على أرض فلسطين وطريق حريتها!!