وجهّت عشر منظمات حقوق إنسان دولية -اليوم الاثنين- خطابًا مشتركًا إلى آليات دولية تابعة للأمم المتحدة لحثها على التدخل العاجل والجاد لتوفير الحماية لنشطاء الرأي ومعارضين ومدافعين عن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية وسط ما يتعرضون له من تصاعد حملات التحريض والتهديد أخيرًا.
وأكدت المنظمات في خطابها الذي وجهه بالنيابة عنها المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان -مقره جنيف- على الحاجة إلى تدخل خبراء الأمم المتحدة والمقررين الخاصّين للضغط على السلطة الفلسطينية من أجل توفير الحماية ووقف استهدافها لنشطاء الرأي والصحفيين والحقوقيين.
والأطراف والجهات التي تلقت الخطاب هي: المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، والمقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، والمقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، والمقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ومقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، إلى جانب المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي التابع للأمم المتحدة.
وأكد الخطاب رصد عشرات الحملات التي استهدفت عشرات النشطاء والصحفيين والشخصيات الحقوقية، مضيفاً أنه حدد ثمانية شخصيات تعرض لاستهداف وتهديدات فضلا عن التحريض ضدهم على نطاق واسع وخطير، هم: عصام عابدين، وعيسى عمرو، ونائلة خليل، وعماد أبو عواد، وعلاء الريماوي، وفاطمة مشعلة، وعقيل عواودة، وسمر حمد.
وأبرز الخطاب أن الشخصيات المذكورة يواجهون تهديدات تتعلق بسلامتهم بعد مقتل الناشط البارز نزار بنات يوم الخميس الماضي (24 حزيران/يونيو 2021) بشكل مروّع بعد اعتقاله من عناصر الأمن الفلسطيني في الضفة الغربية.
وقال الخطاب: إن القضية تندرج ضمن نمط أوسع وأكثر إثارة للقلق من القمع المتزايد الذي يستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والناشطين في الأراضي الفلسطينية، مؤكدًا أن العدالة والمساءلة الدولية عن مقتل الناشط بنات ستكون إجراءً مضادًا حاسمًا لردع استمرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة.
وأضاف أنّ الناشط بنات كان ناقدًا معروفًا للسلطة الفلسطينية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن أنه كان مرشحا للانتخابات البرلمانية الفلسطينية التي كان من المقرر تنفيذها في 22 أيار/مايو الماضي وتأجلت إلى وقت غير محدد بقرار من رئيس السلطة محمود عباس.
وأبرز الخطاب أنّ ممارسة الناشط بنات حقه في التعبير عن الرأي بما في ذلك انتقاد مظاهر الفساد والاعتقالات خارج إطار القانون جعله عرضة لحملات تشهير ومضايقة وترهيب واعتقالات تعسفية من قوات أمن السلطة وأنصارها.
على سبيل المثال في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اعتقل أمن السلطة الناشط بنات تعسفيا لمجرد انتقاده قرار السلطة الفلسطينية باستئناف العلاقات والتنسيق الأمني مع "إسرائيل".
ومنذ أيّار/مايو الماضي، رصدت فرق المنظمات الحقوقية الموقعة على الخطاب، زيادة ملحوظة في تهديدات السلطة الفلسطينية وترهيبها - وحملات التشهير عبر الإنترنت - ضد الناشط بنات بعد أن انتقد قرار تأجيل الانتخابات البرلمانية، ودعا إثر ذلك الاتحاد الأوروبي إلى تعليق تمويل السلطة الفلسطينية.
فضلا عن ذلك، تعرض منزل بنات إلى إطلاق كثيف لعيارات رصاص حي في وقت متأخر من الليل مطلع الشهر الجاري.
ومثل هذه الإجراءات التعسفية أثارت مخاوف جدية بشأن السلامة الشخصية للناشط بنات، ما دفع المنظمات الحقوقية إلى تحذير صانعي القرار الدوليين مسبقا من أن ممارسات السلطة الفلسطينية قد تشكل خطرًا كبيرًا على حياته.
والخميس الماضي، وبعد ساعات قليلة من تعرض الناشط بنات للضرب العنيف والاعتقال من منزل لأحد أقاربه في الخليل من قوات أمن السلطة الفلسطينية، أعلن عن وفاته بعد نقله جثة إلى مستشفى محلي في الخليل.
وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق في الحادث، أكدت المنظمات الحقوقية أنه بالإمكان الاستنتاج بثقة من عدة سوابق مماثلة، أن مثل هذا التحقيق سيكون فقط خطوة لمحاولة تهدئة الغضب الشعبي وكسب الوقت وصولا إلى دفن القضية في نهاية المطاف من دون محاسبة الجناة.
ومما يؤكد صحة هذا التقييم -وفق الخطاب- حقيقة أن السلطة الفلسطينية لم تتخذ أي إجراءات جادة تعطي أثرًا عمليًا لتشكيل لجنة التحقيق، مثل إيقاف ضباط الأمن الذين نفذوا الاعتقال والمسئولين الذين أمروا بذلك.
بالإضافة إلى ذلك، تتفاقم مخاوف المنظمات الموقعة على الخطاب من التدهور الخطير والمستمر في استقلالية ونزاهة القضاء الفلسطيني ونظام العدالة، بسبب التدخل السافر من السلطة التنفيذية، وتحديداً عباس، وهو أمر وثقته العديد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية مرارا. وأدى هذا التدهور أخيرًا إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق ضد الاعتداءات على استقلال القضاء.
وحذر الخطاب من أن ما تعرض له الناشط بنات في وضح النهار سيزيد من تفاقم تقلص مساحات المعارضة وحريات الرأي والتعبير في الأراضي الفلسطينية، بالنظر إلى أنه شكل رسالة ترهيب وتهديد لنشطاء الرأي الآخرين.
وأبدى مخاوف جدية وذات مصداقية بشأن سلامة ورفاهية النشطاء الفلسطينيين البارزين ومنتقدي السلطة الذين تعرضوا في الأشهر الأخيرة لحملات ترهيب وتحريض واعتقالات تعسفية بما في ذلك تهديدهم والتضييق عليهم لإسكاتهم.
كما رصد البيان حملة اعتقالات تعسفية وحملات اعتداء وضرب استهدفت متظاهرين سلميين وصحفيين لدى مطالبتهم بالعدالة في ملف وفاة الناشط بنات ووقف انتهاك الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير.
على سبيل المثال، تعرض الناشط المعروف في الخليل عيسى عمرو لحملة ترهيب من السلطة الفلسطينية واعتقاله تعسفيا في عدة مناسبات لسنوات.
ففي عام 2017 اعتقلت السلطة الفلسطينية الناشط عمرو بتهمة انتهاك قانون "الجرائم الإلكترونية" سيئ السمعة، بسبب تغريدة كتبها على الفيسبوك يندد فيها باعتقال صحفي دعا إلى استقالة رئيس السلطة الفلسطينية. وقد أفرج عن الناشط عمرو بكفالة وقُدم للمحاكمة لمدة أربع سنوات حتى تمت تبرئته من التهم في عام 2021.
ووثق فريق المرصد الأورومتوسطي استجواب قوات أمن السلطة الناشط عمرو في مناسبات عديدة حول علاقاته مع شخصيات عامة أجنبية.
وقبل يومين من وفاة الناشط بنات، اعتقل الأمن الفلسطيني الناشط عمرو وأخضعه لجلسة استجواب دون توجيه تهم واضحة بحقه، وذلك على خلفية اجتماعه مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في أيار/مايو الماضي.
وبعد ذلك تعرض الناشط عمرو للمضايقات والترهيب والتشهير من مؤسسات وأجهزة أمنية للسلطة الفلسطينية.
يشير ذلك إلى أن السلطة الفلسطينية لا تحاول إسكات منتقديها من التعبير عن آرائهم علنًا فحسب، بل إنها تريد أيضًا منعهم من الاجتماع أو الاتصال بشخصيات عامة أجنبية خشية التشهير بسياساتها وسلوكها الأمني القمعي، بحسب الخطاب.
الدكتور عصام عابدين وهو مدافع عن حقوق الإنسان يقيم في القدس ويعمل محاضرا جامعيا، مثال أخر على استهداف السلطة الفلسطينية على خلفية التعبير العلني عن الرأي.
وتعرض الدكتور عابدين - حسب البيان- في آذار/مارس الماضي لحملات تحريض وتشهير فضلا عن تهديده بالقتل بعد اتهامه بأنه "متعاون مع إسرائيل" و"بائع أراضٍ فلسطينية في القدس لإسرائيل".
في السابق، تعرض الحساب الشخصي للدكتور عابدين على موقع فيسبوك للاختراق والحظر في محاولة لإسكاته بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان وتعليقاته العلنية ضد السلطة الفلسطينية.
من جهته أبلغ الصحفي علاء الريماوي، الذي تعرض كذلك للاعتقال التعسفي والترهيب والمضايقة من السلطة الفلسطينية، فريق المرصد الأورومتوسطي بأنه تلقى تهديدات على حياته بعد وقت قصير من وفاة بنات.
وفي السياق فإن الصحفية نائلة خليل مراسلة صحيفة "العربي الجديد" في الضفة الغربية، تلقت تهديدات واستهدفت بالتشهير وحملات إساءة من قبل السلطة الفلسطينية إلى جانب ملاحقتها بدعاوى قضائية.
كما أبلغ صحفيون ونشطاء فلسطينيون آخرون فريق المرصد الأورومتوسطي مثل فاطمة مشعل، وعقيل عواودة، وعماد أبو عواد، وسمر حماد (مرشحة للانتخابات البرلمانية) عن تعرضهم لتهديدات أقرتها السلطة الفلسطينية، بما يشمل الترهيب والتشهير والمضايقة وغيرها من الانتهاكات التعسفية والعقابية.
ومع تزايد انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع في ظل غياب المساءلة وسبل الانتصاف الفعالة للضحايا، لاحظت المنظمات الحقوقية الموقعة على الخطاب حالة متزايدة من اليأس والغضب والخوف بين النشطاء الفلسطينيين ومنظمات المجتمع المدني، وشكوك كبيرة فيما يتعلق بإرادة السلطة الفلسطينية لاتخاذ إجراءات تكفل تحقيق العدالة لأسرة الناشط بنات وإنهاء ما يتم ارتكابه من انتهاكات.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص متزايد في الثقة في نظام العدالة في القضاء الفلسطيني نفسه بعد التدخل المتكرر من السلطة التنفيذية على مدى السنوات الثلاث الماضية.
ويتفاقم هذا الوضع بسبب الغياب المطول للمجلس التشريعي الفلسطيني وتأجيل الانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها لمدة 15 عاما بسبب قرار أحادي الجانب من رئيس السلطة الفلسطينية.
وأبرزت المنظمات أنه كلما طالت مدة وفاة الناشط بنات دون محاسبة، فإن الرسالة المخيفة التي سيتلقاها النشطاء والصحفيون والأصوات المعارضة أن ممارسة حرياتهم الأساسية قد تعرض حياتهم لخطر شديد.
ويتم كل هذا على الرغم من انضمام فلسطين منذ عام 2014 إلى سلسلة من معاهدات القانون الدولي لحقوق الإنسان دون تحفظات بالإضافة إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ودعا خطاب منظمات حقوق الإنسان خبراء الأمم المتحدة والمقررين الخاصين إلى إصدار بيان عام حول وفاة الناشط بنات، وانتهاكات السلطة الفلسطينية الواسعة النطاق والممنهجة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التخويف والمضايقة والاعتقالات التعسفية، لا سيما استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين والمتظاهرين السلميين والصحفيين وعمومها وقمع حقوق الإنسان والحريات الأساسية مع الإفلات من العقاب.
وحث الخطاب على تصدي دولي مباشر لهذه الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها السلطة الفلسطينية والدعوة إلى تحقيق العدالة والمساءلة والإنصاف الفعال للضحايا، فضلاً عن توفير الحماية اللازمة للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين والصحفيين وغيرهم من الأشخاص المعرضين للخطر من خلال الضمانات والتأكيدات على سلامتهم ورفاههم وسلامة أسرهم.
وطالب الخطاب بعقد اجتماع افتراضي في أقرب وقت ممكن بين خبراء الأمم المتحدة والمقررين الخواص مع ممثلي المجتمع المدني الفلسطيني وبعض المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء والصحفيين المذكورين أعلاه، لمناقشة أكثر عن قرب للواقع على الأرض والتهديدات التي يواجهونها.