كان خارجاً للتنزه، مع رفاقه، والتنزه مع الرفاق لم يعد آمناً في الضفة المحتلة، بعد أن أصبحت مناطق السلطة أيضا مشاعاً، يستبيحها الاحتلال بسياراته صباحا مساء، وهكذا فعل بالخليل قبل يومين.
ولأن هذا الوطن لا يتسع إلا لهوية واحدة، إما نحن أو نحن، ولا خيار آخر، فاستشهد عمار أبو عفيفة يوم الثلاثاء، برصاصة أطلقها جندي من سيارة أثناء اقتحامه لمدينة الخليل، وبينما كان عمار البالغ من العمر 21 عاما في نزهة مع رفاق دربه.
الموت لم يعد في الضفة الغربية عاديا، فكل يوم هناك شهيد برصاصة، شهيد كان قبل ساعات يبحث عن الحرية، وكان لديه حلم، وفي تلك اللحظة كان الحلم نزهة سريعة مع رفاقه، قبل أن يحرّم الاحتلال عليه صعود الجبل، برصاصة.
وقد قال شهود عيان إن الجنود أطلقوا النار على الشهيد عندما غير مع زميل له طريقهما بعدما شاهدا مستوطنين مسلحين عند مدخل مستوطنة “مجدال عوز” في الشارع الرئيس المؤدي إلى بيت فجار، وقد أطلقوا عليهما النار فور رؤيتهما فوق الجبل، وأصيب أبو عفيفة إصابة بالغة في الرأس أدت إلى استشهاده واحتجاز جثمانه قبل أن يفرج عنه لاحقًا.
وفي منزل الشهيد، بين دمعة وحسرة وصمت، تكلمت أم الشهيد "مسك فايح عمار، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً" جملة وحيدة بين عشرات الجمل المواسية لقلب أم عمار، خرجت منها لتهدئ من روع النسوة الباكيات حولها، وكأن المصاب لم يكن رصاصة في قلبها.
وكالعادة في كل حكاية شهيد، ما قبل الدفن، وما بعد الإصابة في مقتل، صادر الاحتلال الجثمان، وركضت العائلة تجرجر حزنها لتبحث عن حق في دفن جثة ابنها، حتى وافق الاحتلال على تسليمه أمس الأربعاء عبر الارتباط الفلسطيني.
عمار الذي كان ينثر الفرح في المخيم – كما قالت أمه- التي كانت تنتظر تخرجه من الجامعة، شُيع جثمانه محمولاً على كتفيها، وكأنها أصرت على حمله حتى اللحظة الأخيرة، ودفنته ثم عادت بفخر لأنها أصبحت أم الشهيد.
عنان أبو عفيفة ابن عم الشهيد قال: "أصبحت حياتنا في مخيمات سوريا والضفة ولبنان لها ضريبة أكبر، ولكل شهيد فعل، لم يكن عمار يريد شيئا، كان يبحث عن متنفس مع رفاقه، حينما حاول هؤلاء اللقطاء أن يحرموه حتى نزهة أخيرة، وكان يريد بعدها الذهاب إلى جامعته، كان لديه رسالة إنسان فلسطيني، يريد أن يتعلم لكن هناك سرطان اسمه الاحتلال أصبح وسيلة لحرماننا من كل شيء، من العلم، ومن الفرح، وحتى من نزهة قصيرة فوق الجبل".
وقد شهد عام 2021 ازديادًا كبيرًا في عدد الشهداء والجرحى والأسرى، في المقابل ازدادت عمليات المقاومة رغم القمع الإسرائيلي والتنسيق الأمني الفلسطيني، ويبدو أن هذا العام سيكون على غرار سابقه، حيث ارتقى في الضفة الغربية أربعة عشر شهيداً في أول شهرين من العام الجاري.