بعد دراسة أمنية وقانونية قام بها جهاز المخابرات الصهيوني "الشاباك" والمنظومة الأمنية الصهيونية بشكل عام حول كيفية تجاوز الأحداث التي حصلت داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل أيام الجولة القتالية التي أُطلِقَ عليها صهيونيًا "حامي الأسوار" التي تتوافق بمسماها مع العقل اليهودي التقليدي الذي يعيش في متلازمة "الجيتو" المتخيل تاريخيًا وليس في أوروبا القرن الماضي العنصرية.
ليتم الكشف مؤخرًا عن المجهود الذي بُذِلَ على مدار الفترة الماضية بعد معركة سيف القدس لتشكيل قسم إسرائيل في جهاز الشاباك، والمعني بالسيطرة المعلوماتية والأمنية الاستباقية على جميع السكان ضمن حدود الكيان الصهيوني في المناطق المحتلة عام 1948م.
ويتكون هذا القسم بالأساس اعتمادًا على القسم اليهودي المشهور في الجهاز المذكور سابقا، والذي يتابع النشاط الأمني داخل المجتمع اليهودي، ويعمل على إحباط الأعمال الإرهابية التي يتم صناعتها على يد القطاع الإرهابي اليهودي المتطرف الخاص، في ظل حرص الكيان الصهيوني على احتكار الفعل الإرهابي ضد الفلسطينيين وغيرهم ضمن المؤسسة التي تتبع للدولة، أو يعمل على مواجهة خطر وجود عناصر مخابراتية تجسسية ضمن المهاجرين اليهود إلى الكيان تعمل لصالح جهات أجنبية، وفعاليات أخرى يقوم بها.
بالإضافة إلى القسم اليهودي فقد تم إلحاق الفرع الأمني المعني بفلسطينيي الداخل، والذي يعمل على متابعة السكان الفلسطينيين داخل الكيان من خلال كشف التوقعات والتأثيرات الممكن ملاحظتها، والتي تشكل خطر أمنيًّا أو سياسيًّا أو حتى طوبوغرافيًّا على المجتمع الصهيوني، ليتم من خلال الدمج بين القسمين السابقين وفروع أخرى عملياتية تشكيل القسم الجديد "قسم إسرائيل".
هذا وقد أكد الإعلام الصهيوني مؤخرًا عن مصادر في جهاز الشاباك أن هذا القسم ليس موجهًا نحو السكان العرب الفلسطينيين في الداخل فقط، بل يشمل جميع من يقع تحت مسؤولية القسم أمنيًا، القراءة الأولية للقسم تأتي بعدما شعر المقدر الأمني الصهيوني بالقصور الواضح أمام خطورة مشاركة فلسطينيي الداخل المحتل في أعمال شغب -كما يدعي الكيان- تقوض الاستقرار الداخلي، الذي على ما يبدو كان وهميًا وهشًّا أكثر من كونه حقيقة فاعلة.
فالرهان على مدار العقود الماضية على تهويد العقل الفلسطيني في الداخل ودمجه في السياق الاجتماعي اليهودي، ضمن حالة من التبعية والخوف وعدم القدرة، لينتهي هذا الرهان مع بداية الخروج عن الصمت والتحدث بلسان الحقيقة الغائبة، تلك الحقيقة التي عمل الكيان الصهيوني على طمسها خرجت للسطح العام الماضي في أحداث هبة الكرامة.
اللاعب الكبير في ذلك هو العقل الفلسطيني الكامن خلف الحدود، الذي حرض الوجدان العميق المنسي عند الكثير من فلسطينيي الداخل، ليكون المسجد الأقصى ومحمد الضيف كلمة السر.
وعليه، تشكيل قسم إسرائيل يأتي لتدارك الفجوة الكبيرة التي حصلت العام الماضي، هنا الإشكالية ليست في المعالجة الأمنية للأحداث -وهي ضرورية كونها توفر الوقت اللازم لإعادة التفكير وضبط السياق الذي يجب أن يكون- بل في الأزمة التي سيقع فيها الكيان الصهيوني قريبًا إثر تراكم الشعور الوطني والعودة إلى الذات الفلسطينية، مما سيقود قرابة مليوني فلسطيني في الداخل المحتل إلى السؤال عن الهوية.
هذا السؤال سينهي عقودًا طويلة مضت تم استخدام الحرب على الوعي الفلسطيني من خلال الحروب السرية على ذلك الوعي، إلى استخدام الدعاية الكاذبة عنه، والحديث عن التعايش السلمي بين السكان وحكم القانون، ومن ثم شن حملات ضد ذلك الوعي مما يحقق تفوق للهوية اليهودية ونمط معيشتها على حساب هوية السكان الأصليين، ليكون قسم إسرائيل كغيره من الأقسام والأجهزة الأمنية الأخرى التي تعمل فقط لحفظ ما بقي من وقت للكيان الصهيوني أمام ثورة الوعي الحاصلة للعقل الفلسطيني والعربي، الداعية إلى تدارك ما حصل عام 1948م.