هو المسافر في سبيل الله حقيقة، فقد كان قبل أسبوعين في تركيا للمساعدة في إغاثة منكوبي الزلزال، ولم يزل مُحبا لفعل الخير حتى لحظاته الأخيرة، ترك وصية العارف بالله والواثق من الشهادة.
"أوصيكم من بعدي بتقوى الله والخروج في سبيله، لأن الخروج في سبيل الله مظلم في هذا الزمان، وأرجوكم كفنوني في ثياب الإحرام، لعلّ الله أن يغفر لي"، هكذا تلا إمام المسجد على مسامع رفاق الشهيد وصيته حينما ودّعوه، بعد منتصف الليل أمس، وسط محارق حوارة.
ما الذي حدث؟ أجاب رجل الإسعاف الشاهد على القصة: "تلقيت اتصالا عن وجود إصابة خطيرة في زعترة، توجهت أنا وطواقم الإسعاف واستلمت الإصابة من سيارة خاصة".
يضيف: "كان مصابا برصاصة في البطن، وحاولنا إنعاشه، لكننا وصلنا إلى مستشفى ابن سينا وقد فارق الحياة".
تسكن عائلة الأقطش في زعترة، وهي قرية ممتدة على طريق حوارة، وقد هاجم المستوطنون منزلهم المكون من عدة طوابق ويضم خمسين فردا، أغلقوا أبوابهم على أولادهم، لكن المستوطنين عادوا بحماية الجنود، أشعلوا النار وأطلقوا الرصاص على منزل العائلة؛ فارتقى سامح شهيدا.
سامح، الشهيد المسافر للعمل في سبيل الله، يبلغ من العمر 37 عامًا، وأب لخمسة أطفال، ويمتلك مصنعا لمدافئ الحطب، ترك وراءه عائلة كبيرة وإخوة كثيرين هو أصغرهم، ورحل مصطحبا معه كثيرا من الخير.
عُرف الأقطش في الحي بعمله الدائم مع رجال الدعوة وبعمله التطوعي، فقد بنى مسجدا في أوغندا، وحفر في أفريقيا الكثير من الآبار.
يضيف شقيقه: "قبل أربعة أيام وصل من تركيا، لأنه فور سماعه عن خبر الزلزال سافر ساعيا وراء إغاثة المنكوبين هناك، قدّم من ماله وجهده وصحته بعد تطوعه مع الهلال الأحمر التركي، عن طريق والده المقيم هناك".
وهناك كانت تجربة الخير التي بذل كل جهده فيها لآخر ساعة، وكأنه يعلم أنها الأخيرة، وستتلوها فقط نهاية تليق بمن يسعى لأجل الآخرة، فكانت الشهادة، في ليلة أُحرقت فيها حوارة، وأشعلت نارا في قلب عائلة الأقطش.
لسامح عشرة إخوة، وهو صغير إخوته كما قالت دموع شقيقه الأكبر: " كان آخر ما فكر به أخي هو اتفاق مع رئيس البلدية بعمل غرفة إغاثة مشتركة للعمل في وقت النكبات والزلازل والطوارئ، لقد كان شغله الشاغل أن يعمل الخير حتى اللحظة الأخيرة".
وقد شيّع المواطنون شهيد حوارة الذي ارتقى إثر اعتداءات المستوطنين على بلدة زعترة وحوارة بمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، وهتفوا بعبارات تدعو المقاومة للثأر لدماء الشهيد، والثأر لحوارة التي أشرقت شمسها على رماد بعد أن أحرقها المستوطنون أمام أعين العالم.