مقال: ثلاثةٌ ولهم رابع، والتحريرُ قريبٌ

وائل الزرد

الحياة لا تمشي حسب ما يرغب سكانُ كوكب الأرض، بل لها نظام وميزان {إنَّا كُل شَيءٍ خَلَقنَاهُ بِقَدَر} فالحياة لها قوانين وسنن، ومراعاة هذه القوانين وتلك السنن، واجب على كل عاقل، ولا يتنكب طريق اتباع السنن إلا غارق في الهوى، حالم في مسابح الجهل، ومن قديمٍ مضى ذو القرنين وفق الأسباب حتى أقام سلطانه على العدل والقسط حين {أتبع سببًا} وحين سأل رجلٌ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: "أُرسل ناقتي وأتوكل" يعني أُطلقها دون عقل أي ربط، قال له: "اعقِلهَا وَتَوكَّل" رواه ابنُ حبان، حيث رقم: 731
ونحن اليوم في مقارعتنا لقوات الاحتلال، منذ أكثر من 70 عامًا، بِتنا نرى نصر الله يقترب منا يومًا بعد يوم، وأصبح هذا النصر المُرتقب يظهر لنا في ثلاثة أمور ولهم رابع كالآتي:
أولًا: تراكم القوة في غزة
يؤثر عن شيخ الأمة الإمام أحمد ياسين -رحمه الله- أنه كان يقول: "سنقاتل إسرائيل عندما نمتلك المسدس الأول" وقد كان والحمد لله، فبفضل الله تعالى بدأت عمليات الثورة الفلسطينية بدافع إسلامي من سنوات طوال، وتحت مسميات عدة، حتى انتهى الأمر إلى التسمية المباركة: كتائب الشهيد عز الدين القسام، وقد بدأ المجاهدون في غزة -والحمد لله- يُراكمون القوة يومًا بعد يوم، بل إني لا أبالغ إن قلت إنهم يُراكمون القوة ساعةً بعد ساعة، يُسابقون الزمن، ويُسرعون الخُطوات، نحو امتلاك أكبر قدر ممكن من القوة التي يستطيعون امتلاكها، ليرهبوا بها عدوَّا الله وعدوَّهم، وآخرين من دونهم ...
وأنا أشهد -والله- أن الاخوة في كتائب القسام خاصة، ومن لحق بهم في ركب الجهاد والمقاومة، يعلمون في الليل والنهار، وعبر الساعة، ويطرقون كل الأبواب، ويستقبلون كل المواهب العسكرية، ويستفيدون من كل التجارب القتالية، يسعون للتطوير والتجديد ومواكبة حداثة العسكرة القتالية، وهم لا يألون جهدًا في إرسال الشباب الذكي الألمعي، لمن يرضى من البلدان ليتعلم الشبابُ المجاهد فنون القتال ومهارات العمل العسكري، على أعلى المستويات، وإن كان ميدان القتال والمواجهة ومباشرة المقاومة في الأرض، هو أكبر جامعة يتخرج منها أكابر المقاتلين ونشامى المجاهدين.
والمجاهدون -أسعدهمُ الله- يخبروننا كلما التقيتُ بهم، بأنهم وصلوا إلى مستوىً من القوة يستطيعون به ردَّ عدوان الاحتلال، ويحرمون به اقتحام أراضي قطاع غزة -تحديدًا- ولكنهم لم يقنعوا بذلك، لأنهم يعتقدون أن قوتهم ليس إلا فلسطينية، وهذا يعني أنهم لا يزالون يطورون ويصنعون ويراكمون قوتهم ليحرروا بها كامل تراب فلسطين، بعد إخراج المحتلين من الأرض المباركة كلها، بإذن الله.
ثانيًا: تنامي المقاومة في الضفة
عَمِلَت السلطة الفلسطينية بكل طاقتها وقوتها، من أجل إخراج جيل في الضفة الغربية منسلخٍ من انتمائه لدينه أولًا ثم لوطنه ثانيًا، ثم سعوا كذلك إلى غسل أدمغة الشباب ومسح عقولهم من التفكير في المقاومة والتحرير، بل إنهم عملوا على شيطنة المقاومة وأطلقوا على المجاهدين ما لا يليق من صفات خسيسة، لا تليق إلا بقائليها، وأنفقوا في سبيل تحقيق ذلك ملايين الدولارات، وألاف الساعات المسجلة والمصورة والتي أذعيت عبر مواقع السلطة الرسمية، مثل تلفزيون فلسطين -للأسف- وغيره.
ولكنهم بفضل الله ما نجحوا ولن ينجحوا {يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ}.
وبفضل الله -سبحانه- باتت المقاومة في حالة من التنامي، لا يمكن إخفاؤها، فالعمليات العسكرية الفردية تتزايد يومًا بعد يوم، بل أحيانًا تقع عدة عمليات في اليوم الواحد، ويشترك في هذه العمليات الشباب من كل الأعمار، مما جعل خطط أصحاب التنسيق الأمني في السلطة الفلسطينية يذهب أدراج الرياح، وبدأت الضفة الغربية تعود إلى مكانها الطبيعي في قيادة المشروع المقاوم.
ونحن اليوم والحمد لله، نستطيع القول: إن المقاومة في الضفة الغربية تتنامى بشكل متسارع، حيث يلتحق الشباب في مجموعات عسكرية، تُعلن عنها قيادة المقاومة لتنال المصداقية والثقة، وأصبح من المألوف سماعَنا لهتاف الشباب في كل مسيرة وإثر كل حادثة وهم يرددون لقائد أركان المقاومة أبي خالد الضيف:
حُط السّيف قبال السّيف احنّا رجال محمد ضِيف
ثالثًا: انكشاف سوءة التنسيق الأمني
وهذه ثالثة المبشرات، أن مشروع السلطة الفلسطينية القائم على التنسيق الأمني، انكشفت سوءته وبانت عورته ووضح هدفه، فقد أصبح القريب والبعيد من أبناء شعبنا كله -إلا المُنتفع- يدركون أن هدف السلطة الفلسطينية هو المحافظة على أمن دولة الاحتلال، عبر إدارة التنسيق الأمني البغيض، ومن خلال تبادل المعلومات الأمنية بين قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة وقوات الاحتلال، في صورة مقززة منفرة، تعيد للأذهان بعض الأسماء الخائنة في التاريخ الإسلامي، والذين ساهموا في تقوية صفوف الأعداء الذين سرقوا مقدرات الأمة ونهبوا خيراتها، من أجل أن يعيش هؤلاء -التُّفَّه- حياة ال VIB
ولستُ في هذا الكلام أتجنى على أحد، ولا أتهم أحدًا بالزور والبهتان، بل إن الأمر أصبح مكشوفًا بشكل فج، ومفضوحًا عبر الفضائيات والقنوات، فالصور المتبادلة بين قادة العدو وقادة السلطة مع الضحكات المبتذلة، أكثر من أن تحصى، وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية مع تبادل الأدوار بين الاحتلال من جهة وبين قوات السلطة من جهة أخرى، يعلمها صغار أهلنا في الضفة قبل كبارهم، وقد صرَّح بذلك كبيرُهم الذي علمهم الخيانة، أنه قادرُ على جلب معلومة أمنية وتقديمها لقوات الاحتلال، مجانًا، ودون أن يُتعبوا أنفسهم، وهل يبقى بعد هذا -المصور والمسجل والمنتشر- هل يبقى بعد هذا دين أو وطنية أو ضمير ؟
بل إن أجهزة التنسيق الأمني تخطَّوا الخطوط السوداء، وقاموا بما لم يطلب منهم، اثباتًا للولاء وإعطاءً لصك الطاعة لقوات الاحتلال، فقد ولغوا في مستنقع الفساد والتنسيق الأمني إلى آخر مدى، حتى باتوا يفعلون ما تفعله قوات الاحتلال، من: قتلٍ للمعارضين السياسيين، واعتقال للمقاومين، واطلاق النار على المجاهدين، وتعذيب وشبح وضرب وتنكيل لكل متعاطف مع المقاومة، وبهذا يكون هؤلاء قد وضعوا أنفسهم في مصاف الاحتلال، ونزعوا عن أنفسهم لباس الوطنية بله الدين، والمصير محتوم ومعلوم.
أما رابعًا: البأس الشديد في دولة الاحتلال
مضى على دولة الاحتلال فترة من الزمن، كانوا يتبجحون فيها بأنهم يدٌ واحدة على من سواهم، وأنهم جميعًا وليسوا متفرقين، وكان بعض الناس يتساءل، كيف تعيش دولة الاحتلال هذه الحالة من الوحدة والله تعالى يقول عنهم {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} فأين الشتات الذي يعاني منه هؤلاء؟ ويتناسى السائل ابتداء الآية بقوله {تَحْسَبُهُمْ} ولكن للأسف مضى على هذه الحسب والظن مدة من الزمن، أحاطتها الاستغراب والتساؤل..
ولكن بفضل الله -سبحانه- وصلنا اليوم الذي صدَّق الواقعُ قول الخالق -سبحانه- والله أصدق القائلين، ففي هذه الأيام التي أكتب فيها هذا المقال، يخرج أبناء دولة الاحتلال بأكثر من 200.000 إسرائيليًّا يتظاهرون ضد بعضهم البعض، وخاصة ضد رئيس الوزراء نتنياهو، في سابقة عدَّها السياسيون الإسرائيليون أنفسهم بأنها سابقة خطيرة، وبأنها مهددٌ قوي لتدمير الدولة العبرية ... وسيكون.
لقد نشأ جيلنا على معرفة أن دولة الاحتلال يحكمها حزبان كبيران، لا ثالث لهما يُذكر، وهما حزب الليكود وحزب العمل، ثم بدأت مسيرة تصديق الواقع لما أخبرنا به ربُّ العالمين، فقد انقسم هذا الحزبان إلى أحزاب صغيرة ثم كبرت، ثم هذه الأحزاب انقسمت إلى أحزاب صغيرة وتنافرت، وبات من الطبيعي جدًّا أن تسمع دعاوى الفساد وتهم الرشاوي والتراشق بالقضايا الأخلاقية السيئة بين أرباب هذه الأحزاب، وقد تجمع لكل حزب بضعة آلاف، والأمر آخذٌ بالزيادة والتطرف، ولن يبقَ الأمرُ على حاله، بل سيستمر حتى يشكل انقسام دولة الاحتلال إلى أحزاب وأحزاب، يشكل هذا عاملًا قويًّا من عوامل انهيار هذه الدولة إن شاء الله.
وأخيرًا:
إنَّ اجتماعَ هذهِ العَواملِ الثلاثةِ مُؤذنٌ بَأنَّ نصرَ الله قَريبٌ...

البث المباشر