التقاعد القسري لدى سلطة عباس.. تصفية للخصوم بدعوى التقشف

الرسالة نت- متابعات

فوجئ المدرّس صامد صنوبر بإحالته للتقاعد المبكر من وزارة التربية والتعليم العالي في مارس/ آذار عام 2018 عن عمر (31) عاما دون إبداء الأسباب لذلك، وجاء ذلك بعد 8 سنوات عمل خلالها أستاذا للغة العربية في مدرسة بيتا الثانوية جنوب محافظة نابلس في الضفة الغربية.

يؤكد صنوبر، الذي انتخبته مديريته ناطقا باسم "حراك المعلمين الموحد" عام 2016، أن إحالته على التقاعد مرتبط بنشاطه النقابي، وقال: "لم أُعرض على أي لجنة تحقيق، كما لم توجه لي أي تهم، ولم يتم التدرج بالعقوبة حسب ما نص عليه قانون الخدمة المدنية، وهو ما يدلل أن إحالتي تمت وفق أمزجة شخصية وتقارير أمنية ضدي، ولم تخضع لأي معايير مهنية".

بديل-صورة-1.webp
 

لم يكن صنوبر حالة معزولة، فهو واحد من عديد الموظفين العموميين الذين أحالتهم الحكومة بتنسيب من وزاراتهم إلى التقاعد المبكر. أحيل أيضا الدكتور زاهر عطوة مدير دائرة المصادر التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي من محافظة طولكرم شمال الضفة الغربية على التقاعد المبكر.

يقول الدكتور زاهر عطوة للجزيرة نت ساخرا: "بعد 3 أشهر من حصولي على شهادة الدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقبل بلوغي سن الـ60 بعام تمت مكافأتي في مارس/ آذار 2018 بإحالتي على التقاعد المبكر من الوزارة التي عملت فيها زهاء ربع قرن، وهو ما يوحي بأنه لا يوجد أي معايير لمثل هذا القرار، وأن الأمر مجرد مؤامرات كيدية".

استندت قرارات إحالة كلّ من عطوة وصنوبر وغيرهم إلى التقاعد المبكر، إلى القانون رقم 17 لسنة 2017 بشأن التقاعد المبكر للموظفين المدنيين، وقرار مجلس الوزراء لعام 2018.

وكانت السلطة الفلسطينية قد أصدرت القرار بقانون المؤقت رقم 17 لعام (2017) بشأن التقاعد المبكر للموظفين المدنيين بتاريخ 22 يوليو/ تموز 2017، ويعمل به لمدة 6 أشهر من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 أغسطس/ آب 2017.

كما سبق ذلك إصدار القرار بقانون المؤقت رقم (9) لعام (2017) بشأن التقاعد المبكر لقوى الأمن الفلسطينية بتاريخ 20 أبريل/ نيسان2017، ويكون ساريا لمدة سنة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 25 أبريل/ نيسان 2017.

بديل-صورة-3.webp
 

تقاعد قسري

تبعا لذلك، وبناء على تنسيب من وزراء الدوائر الحكومية التي يتبع لها الموظف المدني وقرار مجلس الوزراء رقم (14/192/17/ م. و/ ر.ح) لعام 2018، تم إحالة 168 موظفا مدنيا من الضفة الغربية إلى التقاعد المبكر القسري.

وحصل الأمر ذاته تم بتوصية هيئة التنظيم والإدارة إلى لجنة الضباط لقوى الأمن وتنسيبها إلى الرئيس بصفته القائد الأعلى لقوى الأمن، تمت إحالة (204) موظفين عسكريين في الضفة الغربية إلى التقاعد المبكر دون طلبهم لذلك وفقا للمصادر الإعلامية، إلا أن مصدرا في وزارة الداخلية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال في ردِ مكتوب: "إن 993 شخصا أحيلوا إلى التقاعد المبكر على دفعات في الضفة الغربية بناء على طلب وحداتهم". واقتصر رد ديوان الموظفين العام كجهة تنفيذية، على أنهم خارج هذا الإطار.

بديل-صورة-4.webp
 

وكانت الحكومة الفلسطينية قد أكدت في بيان أعقب جلسة عقدتها في مارس/آذار 2018 ونشرته على موقعها الرسمي أن "الإحالة للتقاعد المبكر وفق القانون المؤقت للموظفين المدنيين جاءت لأسباب مهنية وفي إطار عملية الإصلاح وبما تقضيه المصلحة العامة للعمل، وأن بإمكان أي موظف التوجه إلى القضاء للاعتراض على قرار إحالته إلى التقاعد".

هذا التبرير لو صح وفق ما يرى المستشار القانوني للائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) المحامي بلال البرغوثي، فهو يدلل على ما أشار إليه ائتلاف (أمان) في العديد من الأدبيات الصادرة عنه بخصوص الوظيفة العامة على العشوائية والإشكالات التي رافقت عملية التعيين في الوظيفة العامة، ومحاولة تسييس الوظيفة العامة كأداة لتعزيز سيطرة السلطة السياسية على الحكم وبما لا يتفق ومفهوم النزاهة في الحكم.

التقاعد-c8888py.webp
 

شكاوى وطعون

رصد معد التحقيق تلقي 6 مؤسسات حقوقية لقرابة 250 إفادة وشكوى، من بينها تلقي "مؤسسة الحق" (80) شكوى، أظهرت نتائج تحليلها بحسب رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية السابق الدكتور عصام عابدين أنها "استهداف فئة الشباب بالذات على خلاف فلسفة التقاعد، وأن عددا منهم كانوا نشيطين بشكل واضح بالاحتجاجات السلمية التي قادها المعلمون عام 2016، الأمر الذي يدل أن ما تم كان عملا انتقاميا يستهدف المعارضين أو تصفية الحسابات".

وتبنى مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان 60 قضية لمتقاعدين قسرا، حدثنا عنها محامي المركز عثمان حمد الله بقوله: "بحسب عدد من إفادات محالين على التقاعد قسراً، كانت نتيجة لخلاف مع المسؤول أو المدير، أو لأن الموظف اعترض على أمور غير قانونية أو مخالفة، أو لاعتبارهم بمثابة حجر عثرة أمام المدير أو المسؤول، لذلك رفعنا عام 2018  دعاوى طعن بقرارات الإحالة لمحكمة العدل العليا، فعاد 15 موظفا لعملهم (اثنان منهم تراجعت الإدارة عن قرار إحالتهم للتقاعد المبكر)، في حين رفضت المحكمة إلغاء قرار الإحالة، أما العسكريون فكل من ترافعنا بشأنهم ردت المحكمة الطعن المقدم بشأن الإحالة على التقاعد المبكر".

واجهت مجموعة الحق والقانون للمحاماة والاستشارات الأمر ذاته بشأن العسكريين، ويقول رئيس المجموعة المحامي غاندي ربعي: "ترافعنا عن حوالي 15 عسكريا أحيلوا قسرا للتقاعد، إلا أننا لم ننجح بإعادة أي منهم، أما المدنيون فترافعنا عن حوالي 25 موظفا وموظفة، فكان هناك معيار أخذته محكمة العدل العليا في قرارها، بحيث أعادت للعمل من لم تتجاوز خدمته 15 سنة، في حين ردت الدعاوي بشأن من تجاوزوا 15 عاما".

الشكاوى-cy.jpg
 

اطلع مُعد التحقيق أيضا على 12 قرارا متعلق بطعون مقدمة من مدنيين محالين للتقاعد المبكر (11 منها صادرة عن محكمة العدل العليا في الأعوام من 2018 لغاية 2020 تقرر ردّ الدعوى في 10 منها)، وواحدة "طعن دستوري بالقرار بقانون التقاعد المبكر للموظفين المدنيين" صادرة عن المحكمة الدستورية العليا في 2021 (مقدمة من 15 مدنيا) حيث تقرر رفض الدعوى.

كما اطلع مُعد التحقيق على 10 قرارات متعلقة بطعون مقدمة من عسكريين محالين للتقاعد المبكر (9 منها صادرة عن محكمة العدل العليا عامي 2018 و2019 تقرر رد الدعوى في 7 منها)، وواحدة صادرة عن المحكمة الدستورية العليا في 2021، (مقدمة من 20 عسكريا من مختلف الأجهزة الأمنية) حيث تقرر رفض الدعوى.

وحسب المصدر الرسمي في وزارة الداخلية، فقد تقدم 93 عسكريا بطعون ضد قرار إحالتهم للتقاعد المبكر، فعاد من خلال أجهزتهم ولجنة ضباط قوى الأمن 11 إلى عملهم، في حين لم يتم البت إلى الآن في 72 طعنا.

حراك شعبي وقانوني

دفعت إحالة العشرات للتقاعد القسري من مختلف الوزارات، المتضررين من المدنيين للقيام بخطوات احتجاجية، وفق عضو اللجنة التنسيقية العليا لإدارة حملة مناصرة المتقاعدين قسرا، زاهر عطوة، وضمن الحراك المجتمعي أرسلت في أبريل/ نيسان 2018 رسالة إلى الرئيس محمود عباس تحت عنوان  "الموظفات والموظفين المحالين على التقاعد القسري المُبكر"، وقعها قُرابة 100 ممن أحيلوا إلى التقاعد من مُختلف الوزارات، إضافة إلى عدد من المؤسسات الحقوقية ومؤسسات حقوق الإنسان والائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، حيث أشارت من خلالها إلى وجود شبهة إساءة في استخدام السلطة واستغلال للنفوذ قد حصلت خلال إحالة الموظفات والموظفين إلى التقاعد القسري المُبكر تستوجب فتح تحقيق بشأنها، ومحاسبة كل من يثبت تورطه بتلك الانتهاكات، وإعادة الاعتبار للموظفين.

كما دفعت القرارات بقانون المؤقتة بالعديد من المراكز القانونية والحقوقية والإنسانية ومؤسسات المجتمع المدني، لاعتبار إن تلك القرارات لا تُمثل خرقا للحق في العمل فقط، وإنما هي خرق صارخ لجملة من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المكفولة بموجب المواثيق والاتفاقيات والعهود الدولية، كما تتعارض مع المواد 9 و25 و26 من القانون الأساسي الفلسطيني، وتعكس النزعة الإجبارية للإحالة للتقاعد المُبكر، وتنطوي على مصادرة للحق في حرية الاختيار المبني عليها التقاعد المبكر، وافتقارها للمعايير والضوابط الواضحة.

ويعتبر محامي مركز القدس للمساعدة القانونية عثمان حمد الله أن ما جرى تم بانتقائية وحسب رغبة الشخص المسؤول في الإدارة، سواء في الجانب المدني أو العسكري، ومن أن الإقصاء من الوظيفة هو التفسير القانوني لكل ما جرى.

وفي المقابل رفض مصدر وزارة الداخلية أن تكون الإحالة للتقاعد الجبري إقصاء عن الوظيفة أو عقوبة مبطنة، مشيرا إلى أن القرار بقانون للإحالة للتقاعد المبكر للعسكريين تم إصداره على نحو يمنح المتقاعدين حقوقا تقاعدية كريمة، بحيث لا يقل الراتب التقاعدي عن نسبة (70%) من الراتب الخاضع للتقاعد.

ورغم مراسلتنا للأمانة العامة لمجلس الوزراء منذ أبريل/ نيسان 2022 بشكل مستمر حتى أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بهدف الحصول على رد رسمي فلم يصلنا أي رد، وكررنا في فبراير/ شباط 2023 مراسلة الأمانة العامة، غير أننا لم نتلق أي رد أيضا.

لم تقتصر إحالة الموظفين للتقاعد المبكر بشكل جبري على فترة القرارات بالقوانين المؤقتة الصادرة عام 2017، فقد تمت إحالات للتقاعد المبكر قبل ذلك، ولكن بشكل فردي، كان من أبرزها إحالة نقيب الموظفين العموميين بسام زكارنة في فبراير/ شباط 2016 للتقاعد المبكر، وقال للجزيرة نت: "إحالتي من قبل الحكومة السابقة للتقاعد المبكر القسري التعسفي جاءت بسبب عملي النقابي ووقوفي ودعمي ومساندتي لمطالب المعلمين المحقة، أضف لذلك أنها تمت دون موافقتي وفق ما ينص عليه النظام والقانون".

وكان زكارنة، الذي عمل مديرا عاما في وزارة الأشغال العامة والإسكان، شدد في منشور له على صفحته في فيسبوك أنه مستمر في دعم المعلمين والمهندسين والأطباء والموظفين، وأنه مع حرية العمل النقابي.

بديل-صورة-16.webp
 

كما تقدم زكارنة بطعن لدى محكمة العدل العليا في قرار الإحالة، جاء فيه أن القرار المطعون فيه مخالف للقانون ومشوب بعيب إساءة استعمال السلطة، إلا أن المحكمة ردت الدعوى قبل نهاية عام 2016.

وتم رصد العديد من الإحالات للتقاعد المبكر الجبري حتى بعد انتهاء العمل بالقرارات بقانون المؤقتة عام 2017، ففي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2020 -الذي يوافق يوم المعلم الفلسطيني- تلقت مديرة مدرسة "عربونه" الأساسية سحر أبو زينة من محافظة جنين قرارا بإحالتها إلى التقاعد "عقوبة" وفق قرار لجنة التحقيق، الذي جاء فيه أنها امتنعت عن القيام بالمهام الموكلة إليها، وأنها حرّضت المعلمات على الامتناع عن العمل  بشكل أدى لعرقلة سير العملية التعليمية، وهو ما نفته قائلة "طوال فترة إضراب المعلمين، لم تُعطل مدرستي أو المعلمات فيها، أما أنا فكنت أُسجّل حُضوري وانصرافي من المدرسة دون القيام بالعمل".

وأوضحت أبو زينة أن تصريحاتها وموقفها خلال الاجتماع بوزارة التربية على خلفية إضراب عام 2019 خصوصا بعد الضجة التي حصلت بعد نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، "كان بمثابة الجريمة التي ارتكبتها بالنسبة لهم، إذ تلقيت بعد شهرين من انتهاء أزمة المقاصة قرارا يقضي بالإحالة على المعاش كعقوبة، فقدمت إفادتي بالخصوص لعدد من المؤسسات الحقوقية، كما وكلت المحامي غاندي ربعي للطعن أمام المحكمة العليا ضد قرار إحالتي كعقوبة للتقاعد المبكر".

بديل-صورة-18.webp
 

من جانبه، اعتبر وكيل المديرة سحر أبوزينة رئيس مجموعة الحق والقانون للمحاماة والاستشارات المحامي غاندي ربعي أن إحالة موكلته للتقاعد القسري بعد تشكيل لجنة تحقيق غير مبررة، وأن العقوبة مبالغ فيها وغير قانونية ومتعسفة"، لذلك تم في يناير/ كانون الثاني 2021 الطعن بالقرار من خلال محكمة العدل العليا، فحصلنا في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه على قرار بعودتها لعملها، وهو ما يعزز أن القرار كان جائرا".

وبعد عودتها لعملها تلقت أبو زينة مطلع عام 2022 قرارا من وزير التربية والتعليم بإيقاع عقوبة الإنذار بالفصل، بدلا عن عقوبة الإحالة على المعاش السابقة، وفي مارس/ آذار 2023 أقرت المحكمة الإدارية العليا قبول الطعن الذي تقدمت به وزارة التربية والتعليم العالي في مارس/ آذار من العام 2022 وإلغاء الحكم المطعون فيه من سحر أبوزينة والحكم برد الدعوى، وهو ما يعني تثبيت إحالتها إلى التقاعد المبكر.

ولأن النسبة الكبرى من المحالين للتقاعد الجبري كانت من قطاع التربية والتعليم، توجهنا للحديث إلى الأمين العام لاتحاد المعلمين الفلسطينيين سائد أرزيقات، الذي رفض أي إجراءات تمس بحقوق الناس، أو التعامل مع الموظفين بهذه الطريقة.

كما أكد ضرورة أن يكون هناك استشارة للموظفين وأخذ رأيهم لمن يرغب بالتقاعد، إلا أنه في الوقت نفسه برّر الإحالات للتقاعد المبكر التي تمت بأنها كانت إما بطلب ذاتي من الموظف نفسه أو لها علاقة بالأداء أو لجان تحقيق أو بناء على توصيات لجان مختصة، وفق قوله.

يُشار الى أن سحر أبوزينة قالت للجزيرة نت في سبتمبر/ أيلول 2022 إنها بعد عودتها إلى عملها تلقت مطلع عام 2022 من وزير التربية والتعليم قرارا بإيقاع عقوبة الإنذار بالفصل بدلا عن عقوبة الإحالة على المعاش السابقة.

في الظروف ذاتها، أحيل أيضا القاضي السابق أحمد الأشقر، من محافظة طولكرم إلى التقاعد المبكر الإجباري مطلع عام 2021، غير أنه كان يتوقع ذلك، وفق ما نشره على صفحته على فيسبوك.

وسبق ذلك، إحالته من قبل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي إلى دعوى تأديبية بسبب مقال نشره في أبريل/ نيسان 2019، طالب فيه بحماية المنظومة الدستورية من أن تصبح مؤسسة تنتهك الحقوق الأساسية للمواطنين وفق قوله، غير أن حكم المحكمة العليا الذي صدر في فبراير/ شباط عام 2020 أكد حق القضاة في حرية التعبير، فأبطلت الإجراءات التي اتخذت ضده.

يشير الأشقر إلى أن "القشة التي قسمت ظهر البعير وكانت السبب الرئيسي وراء الإحالة للتقاعد القسري كما يبدو، قيامنا في سبتمبر/ أيلول 2020، بتنظيم وقفة أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى احتجاجا على تشكيل المجلس الانتقالي، فأحلت و5 قضاة آخرين للتقاعد المُبكر، في حين استخدم سيف الندب لإبعاد القضاة الذين لم تتوفر فيهم شروط التقاعد من حيث المدة".

وكان مجلس القضاء الأعلى قد أكد في بيان له صدر في سبتمبر/ أيلول 2020 حول انتداب 20 قاضيا "إن التنسيب تم بإجماع أعضاء مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، دون اعتراض أو تحفظ من قبل أي منهم، وهو ما ينفي المزاعم حول وجود اعتبارات شخصية وراء قرار الندب".

بديل-صورة-20.webp
 

اطلع مُعد التحقيق على قرارات إحالة للتقاعد المبكر طالت 25 قاضيا، منها إحالة 6 قضاة للتقاعد المبكر، بينهم الأشقر تمت مطلع عام 2021، و19 قاضيا (على دفعتين) عام 2019 بقرار من الرئيس وبتنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.

ملفات سلك القضاء

واعتبر الدكتور عصام عابدين الخبير بالشؤون القانونية والحقوقية، المستشار المتعاقد مع عدة مؤسسات من بينها مؤسسة الحق-القانون من أجل الإنسان، والأستاذ الجامعي، أن سيناريو الإحالة للتقاعد القسري الذي حدث في القضاء كان أشرس مما جرى بشأن المدنيين والعسكريين، حيث دلل على ذلك بقوله: "في يوليو/تموز 2019 صدر قراران بقانون، الأول يقضي بأن يكون سن التقاعد للقضاة 60 سنة، فأحيل بموجبه للتقاعد كل القضاة الذين تراوحت أعمارهم بين 60 و70 سنة، والثاني القرار بقانون لتشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، وعلى إثره أحيل للتقاعد قسرا عدد كبير من القضاة الشباب على دفعات".

وفي المقابل أصدر الرئيس القرار بقانون رقم (12) لسنة 2020 بشأن تعديل قانون التقاعد العام، الذي صدر في أبريل/ نيسان 2020، وأشارت المادة السابعة منه إلى رفع سن التقاعد لرؤساء الهيئات والمؤسسات الرسمية المعينين بدرجة وزير حتى سن 65 عاما.

يشار إلى أن المحكمة الدستورية العليا أصدرت في سبتمبر/ أيلول 2019 حكماً بعدم دستورية القرار بقانون رقم (16) لسنة 2019 بشأن خفض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاما، في حين ردت الطعن على القرار بقانون رقم (17) لسنة 2019 بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي.

كما استحدث القرار بقانون رقم 40 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 (الذي نشر مطلع عام 2021)، المادة الخامسة منه عدلت المادة 16 من القانون الأصلي 2002 (إن القاضي الذي يعين لأول مرة يكون تحت التجربة 3 سنوات).

وتجدر الإشارة إلى أن القرار بقانون رقم 17 لعام 2019 الصادر عن الرئيس بشأن تشكيل مجلس قضاء أعلى انتقالي، جاء في المادة الثانية منه أن "من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى التنسيب لرئيس الدولة بعزل أي قاض، أو إحالته للتقاعد المبكر، أو انتدابه لوظيفة أخرى، إذا وجد في استمرار إشغاله للوظيفة القضائية ما يمس هيبة القضاء".

في هذا السياق، يقول المحامي غاندي ربعي إن الإحالة للتقاعد القسري دون طلب من الموظف سواء كان مدنيا أو عسكريا أو حتى قاضيا، ودون أن يكون ذلك نتيجة مخالفة أو نتيجة لجنة تحقيق، تكون قد تمت من باب التصفية السياسية أو لتصفية الحسابات من الخصوم المعارضين داخل الوزارة أو داخل الجهاز أو المجلس، كعقوبة مبطنة تهدف للإقصاء عن العمل الوظيفي، وأن ذلك يعد إساءة لاستخدام السلطة.

من جانبه، ربط المحامي إبراهيم البرغوثي مدير المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة) موضوع التقاعد بالحقوق الدستورية بقوله: "هناك قاعدة سمو الدستور والتدرج في قواعد التشريعات، وبالتالي يجب على أي قانون أدنى منه مرتبة أن يتفق مع أحكامه سواء كانت تشريعات أو قرارات بقوانين أو أنظمة ولوائح أو قوانين عادية، فإذا ما تعارضت مع مواد الدستور، تُعتبر تشريعات غير دستورية وتوسم بعدم الدستورية، وهو ما يجعلها منعدمة لا تولد أثرا أو نتيجة".

وتنص المادة 26 من القانون الأساسي الفلسطيني على أن "من حق الفلسطينيين تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص"، كما تنص المادة التاسعة منه على أن "الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة".

من جهته، يرى الدكتور عصام عابدين أن "كل إحالات التقاعد المبكر التي تمت، لم تستهدف المعارضين السياسيين فقط، وإنما الخصوم والمعارضين، وما هي إلا نتيجة وانعكاسات للأزمة العميقة في النظام السياسي الفلسطيني، وأحد نتائج الخطايا المتراكمة منذ نشوء السلطة، بسب عملية التعيينات العشوائية لآلاف الموظفين في الوظيفة العامة، التي تمت بحسب الولاءات الحزبية والسياسية دون أسس ومعايير واضحة".

ويضيف عابدين أن "الحكومة أعلنت في عام 2012 عن خطة تقشفية، كان من أبرز ملامحها مشروع قانون تقاعد مبكر يستهدف إحالة أكثر من 26 ألف موظف في الضفة وغزة للتقاعد المبكر، لكن ردود الفعل العنيفة على الخطة في ذلك الوقت أفشلتها، إلا أن الحكومة أصدرت عام 2017 قرارات بقانون أحالت بموجبها إلى التقاعد المبكر مدنيين وعسكريين، (حوالي 200 من كل قطاع) في الضفة الغربية".

ويشير أيضا إلى "تصريحات وزير المالية شكري بشارة في أغسطس/ آب 2022 التي أعلن خلالها خطة إصلاح إستراتيجية لتحسين الإيرادات وخفض الإنفاق، عبر خفض فاتورة الرواتب، التي تعادل حاليا أكثر من 100% من الإيرادات، وذلك عبر تخفيض فاتورة الرواتب إلى حدود 70% (التي تستنزف أكثر من 50% من الموازنة) عام 2022 من خلال برنامج تقاعد اختياري، وتخفيضها إلى حدود 50% بدءا من الربع الأول من 2023، من خلال سياسة التقاعد الإلزامي، تدلل على أن التقاعد القسري سيظل يتكرر ".

من جهته، يعتبر المحامي عثمان حمد الله من مركز القدس للمساعدة القانونية أن كثرة القرارات بقانون الخاصة بالتقاعد المبكر تدل على تخبط تشريعي لدى السلطة في ظل عدم وجود مجلس تشريعي صاحب الولاية القانونية والتشريعية، مضيفا أن "سياسة الفرد الواحد في مؤسسات الدولة لها علاقة كبيرة بانتهاك حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص العاملين في الوظائف العمومية".

ولمعرفة ما إذا كانت مثل تلك الإحالات التي تمت سواء بالنسبة للمدنيين أو العسكريين أو حتى للقضاة والنقابيين، تدل، كما يقول البعض، على "نهج السلطة في تكميم الأفواه وقمع للرأي الآخر"، أو ما إذا كانت تُعد عزلا بثوب التقاعد المبكر، تواصل معد التحقيق في أبريل/ نيسان 2022 مع مستشار الرئيس للشؤون القانونية المستشار علي مهنا، غير أنه اكتفى بالإشارة إلى أنه ينبغي التوجه لجهات الاختصاص.

يبقى أن نشير إلى أن الرئيس أصدر في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 قرارا بقانون رقم 48 لسنة 2022 عدل فيه قانون التقاعد العام رقم 7 لسنة 2005 وتعديلاته، ونصت المادة 16 منه على أنه يجوز لمجلس الوزراء أن يُحيل أي موظف من القطاع العام على التقاعد المبكر إذا أكمل 15 سنة خدمة مقبولة للتقاعد.

 

المصدر : الجزيرة

البث المباشر