إن من عجيب الدروس التي تقدمها لنا الانتخابات التركية أن تلك الدولة كانت قبل 3 أشهر فقط تعيش نكبة إنسانية كبيرة جراء الزلزال الذي ضرب المناطق الجنوبية منها، وأودى بحياة 48 ألف مواطن تركي، بينما يذهب شعبها اليوم مثقلاً بآلامه وجراحه لانتخاب رئيسه وممثليه في البرلمان التركي.
النظام السياسي التركي بمؤسساته العامة وسلطاته العليا وأحزابه السياسية بمن فيهم الحزب الحاكم (العدالة والتنمية) لم يتلكّؤوا في عقد الانتخابات في موعدها المحدد، ولم يبحثوا عن الحجج والمبررات للتهرب من الاستحقاق الانتخابي، بل بذلوا كل ما بوسعهم لإعطاء الشعب حقه في تقرير مصيره وانتخاب من يمثله بكل حرية وهدوء وفي أجواء تنافسية سليمة.
على هذا الحال تكون الحكومات الوطنية حين تدرك أنها تحكم شعباً حراً، يتمتع بوعي سياسي كبير تجاه قضاياه المصيرية، ما يدفعه للتمسك بحقوقه والدفاع عن خياراته السياسية بأسنانه وأظفاره، دون أن يفرط في مكتسب من مكتسباته لحساب الأحزاب أو الفصائل كما هو عليه حال بلادنا العربية البائسة!!
ستبقى شعوبنا العربية ومنها شعبنا الفلسطيني تعاني القهر والاستبداد، طالما ظنت أن الأحزاب السياسية ومصالحها الحزبية، هي قدرٌ محتومٌ على الشعوب، وستظل أسيرةً لمصالح الطغمة الحاكمة، طالما توهمّت أن الأحزاب والفصائل أكبر من الوطن، وستبقى البلاد في حالة من الضياع والرجعية والتخلف، طالما ارتضى بعص أبناء الأحزاب السياسية ونخبها الفكرية، أن يعطلوا عقولهم ويكونوا مجرد أدوات وذخائر في أيادي أصحاب السيادة والمعالي والسعادة!
على الشعوب الحرة ألا تيأس من المطالبة بحريتها، وصون كرامتها وفرض سيادتها وانتزاع حقها في اختيار حكامها من بين أنياب الفراعنة ومخالب الجبابرة، ولو كلفها ذلك الأثمان الباهظة والتضحيات الجسيمة، _إذ أن ضريبة الذل أفدح من ضريبة الكرامة، وتكاليف الحرية أقل من تكاليف العبودية،_ فلن ترفع هذه الأمة رأسها ولن تحقق غاياتها، قبل أن تتحرر من براثن الطغاة والمستبدين.