بعد ثلاثين يومًا على معركة طوفان الأقصى التي باتت فيها أهداف الاحتلال الإسرائيلي -المسكوت عنه والمدعوم دوليًا وإسلاميًا- لتدمير أكبر عدد ممكن من المدنيين في غزة، تصبح الكثير من الأفعال البشرية الطبيعية في أي مكان في العالم، تصبح من ضمن الأجندة المهمة التي يعتريها مخاطرة هي الأكبر.
توفير الحماية والأمان لأطفالك هي من الأبجديات، وحضن الأم والأب المكان الأكثر أمانًا، غير أن المشهد في غزة مختلف، فالطفل يلجأ لأحضان الوالدين ويقضي ليله واضعًا كلتا يديه على أذنيه خشية من أصوات الصواريخ والقذائف، ولا يدرِ أن نومته تلك قد تكون الأخيرة، فذلك الحضن لا يعدُ كونه قبر حينما تسقط على البيت قنبلة أمريكية تزن 1000 كيلو جرام أو إن شئت فقل عدة قنابل.
حينما تكرر القتل البشع في غزة بهذا الشكل أصبحت الخيارات يعتريها الخوف والارتباك فبعضهم يقسم أبنائه ويوزعهم في أكثر من مكان ببيوت الجيران، حتى إذا ما تم قصف بيت لا تُمسح العائلة بالكامل ويبقى البعض منها، وبعضهم وجد خيار النزوح لأماكن أخرى فكانت النهاية ممزقين بفعل تلك الصواريخ التي طاردتهم خلال رحلة النزوح، أما الأكثر تفكيرًا فوجد في المستشفيات الملاذ الآمن قبل أن يستيقظ على فاجعة جمع أشلاء أطفاله من مستشفى المعمداني في غزة -التي من المفترض أنها حصلت على الأمان وفق القانون الدولي (الإنساني) أو من المملكة المتحدة نفسها التي قطعت عهدًا لمدير المستشفى أنهم في أمان.
خلال العدوان على غزة يصبح البحث عن رغيف خبز رحلة محفوفة بأقصى درجات المخاطرة، فمن يذهب للمخابز يُدرك بأن دمائه قد تختلط ببضعة أرغفة قبل العودة لأطفاله بها، فطائرات الاحتلال الإسرائيلي تراقب المخابز وتقتل روادها.
ولتجاوز الاصطفاف على المخابز فقد بات طرق بيوت بعض الناس لبعضهم البعض بحثًا عن بعض الدقيق لصناعة الخبز للأطفال داخل البيوت مسألة متكررة، ولكن من يمتلك الطحين أصلًا بعد ثلاثين يومًا من عدوان لم يحصل في التاريخ المعاصر على الأقل بهذه الوحشية.
ثلاثون يومًا العدوان يتواصل على غزة ويحيط بها العرب من كل جانب، ثم لا يفلحون بإدخال الوقود للمستشفيات التي توقفت أو مياه الشرب التي يمر اليوم واليومين على الشخص الواحد في غزة ولا يتمكن من اقتناص فرصة الحصول على رشفة منها!
يعتقد العرب الذين لم تجتمع بعد جامعتهم العربية أن اجتماعهم المفترض بعد أربعين يومًا من العدوان سيجعل صفحتهم بيضاء أمام دماء أطفال غزة، أو أن مسيرة خرجت فيها الجماهير تهتف: بالروح بالدم نفديك يا فلسطين يمكن أن تُعيد عائلات مسحتها بأكملها صواريخ إسرائيل، يا للعار، وأيُّ عار.
هذه معركة ستنتصر فيها نساء وأطفال غزة، سننتصر بينما مصر تواصل إذلالنا في فتح معبر رفح لإدخال مساعدات فيها آلاف الأكفان للشهداء التي أرسلتها الأنظمة العربية وصفقت لها الشعوب حينما وجدتها تتحرك لنصرة فلسطين.
معذرة، نحن لسنا بحاجة لأكفانكم، وسندفنُ شهدائنا فيما تبقى بملابسهم التي مزقتها صواريخ (إسرائيل)، أما أنتم فواصلوا الخروج بمسيرات تهتفون فيها: بالروح بالدم... رغم معرفتكم أنكم كاذبون، لكننا نشفقُ عليكم، فأنتم على رأس أجندة (إسرائيل) من بعد غزة إن كنتم تعلمون!!
*✍️/أيمن تيسير دلول*
*كاتب وإعلامي فلسطيني من غزة*