نشر مركز حقوقي إسرائيلي تقريرًا موسعًا حول الانتهاكات الفظيعة التي يتعرض وتعرض لها الأسرى الفلسطينيون ومن أفرج عنهم مؤخرًا للتعذيب الذي يفوق التصورات، وذلك منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي.
التقرير الذي حمل عنوان "أهلاً بكم في جهنم"، مستوحىً من عبارة ترحيب قالها جندي في مصلحة السجون لأحد الأسرى فور دخوله إلى المعتقل، وذلك كنايةً عن التعذيب الذي ينتظره والآخرون في المعتقلات الإسرائيلية.
وتمّ تسجيل إفادات أدلى بها 55 فلسطينيًا ممّن اعتقلوا خلال هذه الفترة. الغالبية الساحقة من الشهود لم يُحاكموا.
وتبيّن إفادات الأسرى نتائج عمليّة سريعة تحوّل في إطارها أكثر من 12 مرفقًا إلى شبكة معسكرات هدفها الأساسيّ التنكيل بالأسرى داخلها. فكلّ من يدخل أبواب هذا الحيّز، محكوم بأشدّ الألم والمُعاناة المتعمّدين وبلا توقّف، حيز يشغل عمليّاً وظيفة مُعسكر تعذيب.
فقد نقل التقرير على سبيل المثال عن نبيلة مقداد من غزة قولها: اقتادني الجنود إلى سيّارة الجيب وقاموا بتغطية عينيَّ بقطعة قماش ثمّ قيّدوا يديَّ بالأصفاد من الأمام. أصعدوني مع بعض النساء الأخريات إلى سيّارة الجيب وبدأنا بالسفر. تمكّنتُ من رفع قطعة القماش عن عينيّ قليلًا ورأيتُ أنّنا في منطقة البحر ورأيتُ لافتة مكتوبًا عليها "زيكيم". أنزلونا من سيّارة الجيب وأجلسونا مكبّلي الأيدي على الأرض لمدّة ساعة. بعد ذلك اقتادنا بعض الجنود إلى زنزانة وبعد بعض الوقت أخرجونا وأصعدونا إلى سيّارة الجيب ثانيةً وسافرنا.
في أثناء السفر، كلّما كنّا نرفع رؤوسنا أو نتحرّك لأنّ الأصفاد تؤلمنا، كانوا يضربوننا على رؤوسنا.
أنزلونا من سيّارة الجيب ودفعتني إحدى الجنديّات فسقطتُ على الأرض. شعرتُ بأنّني أنزف تحت عيني اليسرى، لكنّ بعض الجنود حملوني واقتادوني إلى غرفة في منشأة اعتقال. في الغرفة، أزالوا الأصفاد وعصابة العينين عنّي ثمّ أمروني بخلع ثيابي بالكامل. قامت بعض الجنديّات بفحصي بجهاز إلكترونيّ وأعطوني "ترينينغ" رماديّ اللون لارتدائه. بعد ذلك دخل طبيب إلى الزنزانة وفحصني، وبعد أن أخبرتُه بأنّني سقطتُ وبأّنّني أشعر بآلام أعطاني أكامول فقط.
لم أنمْ في الليل وكنتُ أفكّر طوال الوقت في زوجي وأولادي فقط. لم أكن أعرف حتّى إنْ كانوا على قيد الحياة
بعد ذلك أخرجني الجنود مع عدّة نساء أخريات إلى الساحة وأيدينا مقيّدة وأعيننا معصوبة، وتركونا على هذه الحال. كان الطقس باردًا جدًّا في الخارج، وكانوا يصرخون ويضحكون علينا عندما رأوا أنّنا نعاني. أدخلونا إلى قفص لا يحتوي إلّا على فرشة صغيرة وبطانيّة رفيعة لم تكن كافية لنا جميعًا. طلبنا من الجنود المزيد من البطانيّات لكنّهم رفضوا. بقينا هناك على هذه الحال ثمانية أيّام، دون طعام تقريبًا. في الليل حصلنا على كسرة خبز جافّة مع بعض اللبنة وتفّاحة. كان علينا أن نأكل وأيدينا مقيّدة، وهكذا ذهبنا إلى المرحاض أيضًا. كان ذلك مروّعًا. في إحدى المرّات سكب أحد الجنود اللبنة على الأرض وشتمنا. في الليل بالكاد سمح لنا الجنود بالنوم. شغّلوا موسيقى صاخبة، وخبطّوا على الأبواب الحديديّة، وصرخوا علينا وشتمونا.
بعد ذلك نقلونا إلى شاحنة أخرى وربطوا أيدينا إلى الخلف، ثمّ أخذونا إلى مركز للتحقيقات. حسبما فهمت كان ذلك المركز في إسرائيل. أحسست بالوهن وفقدت القدرة على الإحساس برجليّ، لكنّي لم آتِ بأيّة حركة لكيلا يضربوني. بعد ذلك أخذونا إلى مكان آخر حيث أمرونا بأن نخلع ملابس الكورونا وأعطونا ملابس أسرى لنرتديها.
أحسست بالوهن وفقدت القدرة على الإحساس برجليّ، لكنّي لم آتِ بأيّة حركة لكيلا يضربوني
في أوّل أيّام الاعتقال كنّا طوال اليوم مربّطي الأيدي والأرجُل، على الحصى. في اللّيل غفوت ساعتين فقط. أخذ الجنود تفاصيلنا الشخصيّة وأجروا لي مسحًا للعين، ثمّ أعطوني رقمًا وأخذوني إلى طبيب لإجراء فحوصات. كان الجنود يتهكّمون علينا ويتضاحكون. سألني الطبيب ما إذا كنت أعاني من أيّ مرض، وقلت له إنّني لا أعاني من أيّ مرض".
ونقل التقرير عن شيماء أبو جياب - أبو فول (32 عامًا)، من سكّان مخيّم جباليا قولها: "كان ذلك في الليل. أصعدونا إلى ناقلة جند مدرَّعة. قيَّدوا أرجلنا بالأصفاد أيضًا، لكنّهم لم يغطّوا أعيننا. شعرتُ بألم شديد بسبب الأصفاد. أحضرونا إلى مبنى كان فيه جنود. أعتقد أنّ ذلك كان لا يزال في خان يونس. غطّوا عينيّ بقطعة قماش وسمعتُهم يأمرون الشباب بخلع ثيابهم. بعد ذلك ضربوني ببندقيّة على رقبتي ورأسي، وضربوا الشباب أيضًا – سمعتُهم يصرخون من الألم. كان الجنود يشتموننا.
وصلت ناقلة جند مدرَّعة، أصعدونا إليها وأخذونا إلى مكان آخر، ليس بعيدًا عن المكان الذي كنّا فيه. جميع الذين صعدوا إلى ناقلة الجند المدرّعة تعرّضوا للضرب. قادني أحد الجنود إلى ناقلة الجند المدرَّعة وهو يصوِّب سلاحه إلى مؤخّرتي. كنتُ معصوبة العينين ومقيّدة اليدين بالأصفاد خلف ظهري ولم أتمكّن من الصعود إلى ناقلة الجند المدرَّعة بمفردي، ولذلك حملني أحد الجنود وألقى بي داخلها. لم أرَ من تحت عصابة العينين سوى أرجل حولي. صرختُ عليهم ألّا يدوسوا عليّ بالخطأ، لكن كان هناك ضجيج شديد صادر عن ناقلة الجند المدرَّعة. أجلسني أحدهم، أعتقد أنّه كان جنديًّا. طوال وقت السفر كان الجنود يشتموننا.
وصلنا إلى مكان لا أعرف اسمه. كانت الأرضيّة مبلّطة. أجلسونا في الخارج وكان الطقس باردًا. بعد ذلك أخذونا من هناك إلى مكان آخر، أعتقد أنّه كان في داخل إسرائيل. أنزلونا من ناقلة الجند المدرَّعة وأدخلونا إلى خيمة. كانت الأرض رمليّة. رأيتُ من تحت العصابة أنّهم قاموا بتفتيش الشباب، ثمّ أحضروا جنديَّتين قامتا بتفتيشي يدويًّا، دون أن أخلع ملابسي.
بعد ذلك أصعدونا إلى حافلة وأخذونا إلى مكان آخر. عندما نزلنا من الحافلة عاملتني جنديّة بقسوة، صرختْ عليّ وأنزلتني بعنف. أجلستني على الأرض وحَنتْ رأسي حتّى يلامس الأرض، قرب قدَمَيها. تركتني على هذه الحال لمدّة عشر دقائق تقريبًا، ثمّ أمسكت بي وثبَّتتني بحيث لم أعد قادرة على التحرّك. شعرتُ وكأنّني أصبحتُ مشلولة. بكيتُ من شدّة الألم. شعرتُ بانقباض. أزالت الأصفاد عن يدَيَّ ورِجليَّ وأبقت العصابة على عينيَّ. بعد ذلك أمرتني بخلع ثيابي كلّها، وقالت لي إنّه لا داعي للخوف لأنّه لا يوجد رجال هناك على الإطلاق. لا أعرف إن كان ذلك صحيحًا أم لا".