قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن إسرائيل تصعد من جرائمها ضد المدنيين والأعيان المحمية في لبنان باستخدام أسلحة محرّمة دوليًّا وقنابل ذات قدرة تدميرية هائلة للأسبوع الرابع على التوالي منذ بدء عدوانها الموسع.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنه الجيش الإسرائيلي بدأ هجومًا عسكريًّا على مناطق الجنوب اللّبناني منذ أكثر من عام، إلا أنه وسّع خلال الشهر الماضي هجماته ضد المنازل وأعيان مدنيّة والبنى التحتية المدنية، حيث نسف المنازل وكثّف استخدامه للقنابل الفسفورية المحرمة دوليًّا.
ووثق الأورومتوسطي نسف الجيش الإسرائيلي يوم الأحد الموافق 20 أكتوبر/تشرين أول الجاري منازل في حي "الطراش" في بلدة ميس الجبل، واستهدف منازل في عيتا الشعب بعدّة غارات، كما هاجم بالقنابل الفسفورية كفرحمام وأحرق مناطق حرشية قريبة من منازل مدنيّة.
وفي اليوم ذاته، جدد الجيش الإسرائيلي عدوانه على الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث شنّ 11 غارة على مناطق مختلفة من الضاحية حتّى منتصف ليل الأحد، واستهدف محيط مستشفى "بهمن" ومسجد "الحسنين"، مع وجود شكوك حول استخدام إسرائيل اليورانيوم المنضّب المحرّم دوليًّا أيضًا في غاراتها على الضاحية، فيما أدّت تلك الغارات إلى انهيار مبنى مدني في منطقة الشياح.
وجاء هذا العدوان بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي عن أنّه سينفّذ ضربات ضد البنى التحتيّة لمؤسسة "القرض الحسن"، والتي يدعي الجيش الإسرائيلي بأنها جمعيّة مؤسسة مالية تابعة لحزب الله، تهدف إلى تقديم "قروض حسنة" بدون فوائد مركزة على دعم الفئات المحتاجة وتقديم قروض لتغطية الاحتياجات الاجتماعية والإنتاجية. وتلا هذا الإعلان تحذيرات بإخلاء عدد من المباني في الضاحية الجنوبية لبيروت، البقاع، وبعلبك الهرمل.
كما أثارت اتصالات إسرائيليّة مباشرة بعدد من السكان في بيروت ومناطق أخرى حالة من الذعر أدّت إلى إخلاء العديد منهم منازلهم والخروج إلى الشوارع.
ويعد نسف أحياء كاملة وأعيان مدنية انتهاكًا خطيرًا للقانون الدّولي الإنساني، وخاصّة لمبدأي التمييز والتناسب، حيث يقضي مبدأ التمييز بالتفريق بين الأهداف العسكريّة والأعيان المدنيّة عند الاستهداف، فيما يعتبر الاستهداف العشوائي ودون تمييز بين المدنيين والمقاتلين جريمة حرب وفقًا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية. أمّا مبدأ التناسب، فيقضي بحظر الهجمات التي قد تسفر عن أضرار مفرطة في أرواح المدنيين أو الممتلكات المدنيّة، فيما يصنف استخدام القوّة المفرطة دون مراعاة هذه المبادئ جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدّوليّة.
وتعكس الهجمات العسكرية الإسرائيلية ضد الأعيان المدنية نمطًا واضحًا من السلوك الذي يتضمن ارتكاب عدة أفعال ضد السكان المدنيين، وتُنفذ وفقًا لسياسة الدولة، بمعنى المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تسبب في إحداث معاناة كبيرة وأضرار جسيمة، جسديًّا ونفسيًّا، وبالتالي تشكل هذه الهجمات أيضًا جريمة ضد الإنسانية تتمثل في أفعال لا إنسانية أخرى، كما هو محدد في المادة 7(1)(ك) من النظام الأساسي للمحكمة.
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أن انتهاكات الجيش الإسرائيلي للقوانين الدّوليّة، لا سيّما القانون الدّولي الإنساني، تخطّت المدنيين والمسعفين وعمّال الإغاثة لتشمل قوّات حفظ السّلام التّابعة للأمم المتّحدة في جنوب لبنان "اليونيفيل"، والجيش اللّبناني غير المشارك في القتال أو الأعمال العدائيّة.
فقد أعلن الجيش اللّبناني مقتل ثلاثة من عناصره عند الساعة 3:20 من ظهر الأحد الماضي، إثر استهداف مباشر لآليتهم من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي عند طريق عين إبل-حانين. كما أعلنت اليونيفيل في بيان لها، مساء الأحد، أن جرّافة تابعة للجيش الإسرائيلي هدمت عمدًا أحد أبراج المراقبة وسياجًا محيطًا بموقع للأمم المتّحدة في بلدة مروحين في جنوب لبنان.
وذكر البيان بأن الجيش الإسرائيلي كان طلب بشكل متكرّر إخلاء مواقع اليونيفيل على طول الخط الأزرق وتعمّد إلحاق الضرر بها، إلّا أنّ عناصر اليونيفيل ما يزالون في مواقعهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن هذه الاعتداءات المتكرّرة على قوات حفظ السّلام، والتي أدّت إلى إصابة ما لا يقل عن خمسة عناصر منهم، يعتبر انتهاكًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1994 بشأن سلامة موظفي الأمم المتّحدة والأفراد المرتبطين بها.
وحذر المرصد الأورومتوسطي من أن تفجير جميع منازل بلدات الجنوب مع استهداف اليونيفيل بشكل متكرّر، يكرّس سياسة الأرض المحروقة مع تكرار حديث مسؤولين إسرائيليين عن فرض واقع جديد على الحدود من خلال إنشاء شريط حدودي خال من السكان، والاستيطان في الجنوب اللبناني، مؤكّداً على أنّ كل هذه الممارسات تشكّل جرائم حرب بموجب القانون الدّولي الإنساني.
وفي يوم الإثنين الموافق 21 أكتوبر/ تشرين أوّل الجاري، هدّد الجيش الإسرائيلي مستشفى "الساحل" بحجة تخزين حزب الله لأموال تحت مبنى المجمّع الصحّي. في حين نفى مدير المستشفى هذه المزاعم بشكل كامل ودعا الجيش وقوات اليونيفيل إلى الكشف على المبنى وتكذيب الادعاءات.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الصحة أنّه بغضون 24 ساعة من الاعتداءات الإسرائيلية قتل أربعة مسعفين وجرح أربعة آخرون، وتضرّرت ثلاث آليات تابعة لهذه الفرق بين يومي الأحد والإثنين.
وفي اليوم ذاته، شن الجيش الإسرائيلي غارة على محيط مستشفى "الحريري" في منطقة الجناح في بيروت، ممّا أدّى إلى مقتل 13 شخصًا، من بينهم طفل، وجرح 57 آخرين، من بينهم سبعة بحالة حرجة.
وقال المرصد الأورومتوسطي إن الجيش الإسرائيلي يشن استهدافات ممنهجة لفرق الإنقاذ والإسعاف، مشيرًا إلى أنّ سجل الجيش الإسرائيلي حافل باستهداف المستشفيات خلال حرب الإبادة التي يشنّها على قطاع غزّة منذ 7 أكتوبر/تشرين أوّل 2023 حيث وثّقت منظّمة الصّحة العالميّة 450 استهداف إسرائيلي على الأقل للنّظام الصّحي في القطاع. وأشار الأورومتوسطي إلى أن الجيش الإسرائيلي –فيما يبدو- يكرر السياسة ذاتها في لبنان.
وأضاف المرصد الأورومتوسطي أنّ الغارات التي شنّها الجيش الإسرائيلي ليل الإثنين الماضي على مناطق متفرقة من بيروت ومكتظّة بالسكان جاءت بعد إنذارات إخلاء هذه المناطق بـ 5-10 دقائق من استهدافها، ممّا ينتهك مبدأ الحيطة في القانون الدّولي الإنساني، والذي يتطلّب من الأطراف المتحاربة اتخاذ كل الاحتياطات الممكنة للحد من الضّرر اللّاحق بالمدنيين، حيث يجب أن تكون هذه الإنذارات فعّالة وتتيح فرصة حقيقيّة للمدنيين للإخلاء، مؤكّدًا على أنّ الإنذارت قصيرة الزمن لا تلبي هذا الشّرط.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنّ المدنيين ليسوا أهدافًا مشروعة، وأنّ القانون الدّولي الإنساني يحظر أعمال العنف أو التهديد به، وهي الأفعال التي يكون هدفها الرئيس نشر الرّعب بين المدنيين، وأنه وبموجب هذا القانون، لا يفقد المدنيون صفتهم المدنيّة جرّاء الانتماء إلى الفروع غير العسكريّة للمنظّمة المسلّحة أو تقديم الدّعم غير العسكري، فيحظر استهداف الأعضاء الذين يتولّون مسؤوليات صحيّة، إعلاميّة، أو ماليّة.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّه يقع على عاتق جميع الدول وغيرها من الأطراف في النزاعات المسلحة التزام بأن تحترم القانون الدولي الإنساني، وأن تكفل احترامه في جميع الأحوال واستخدام نفوذها للحيلولة دون وقوع انتهاكات القانون الدولي الإنساني ووضع حد لها والامتناع عن تشجيع أطراف أخرى على ارتكاب انتهاكات.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان المجتمع الدّولي إلى تنفيذ التزاماته بمتابعة احترام وتطبيق القانون الدّولي والقانون الدّولي الإنساني ووضع حد لجرائم الخطيرة التي ترتكب بحق المدنيين العزّل ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب.