أسطورة المقاومة أسطورة المقاومة

نزوح لا ينتهي.. رحلة العذاب المستمرة في غزة

نزوح لا ينتهي.. رحلة العذاب المستمرة في غزة
نزوح لا ينتهي.. رحلة العذاب المستمرة في غزة

الرسالة نت- خاص

ما إن انتهى المواطن محمود أبو الخير (أبو أحمد) من نصب خيمته داخل أحد مراكز الإيواء شرق غزة، محاولًا توفير مأوى مؤقت لعائلته المنكوبة، حتى وجد نفسه مضطرًا لتفكيكها من جديد، بعدما ألقت طائرات الاحتلال منشورات تُحذِّر السكان من البقاء، بحجة أن المنطقة أصبحت ساحة قتال.

كان الأمر أشبه بكابوس لا نهاية له؛ نزوح يتبعه نزوح، وحياة معلّقة بين ركام المنازل والطرقات المزدحمة بأرواح تبحث عن مأمن.

وقف أبو أحمد، وقلبه ينوء بثقل الحزن، يراقب المشهد حوله. آلاف العائلات تتدافع في الشوارع، وجوههم شاحبة، وعيونهم ممتلئة بالخوف والإنهاك. بعضهم يحمل أطفاله على كتفيه، وآخرون يسندون المسنّين الذين بالكاد يستطيعون المشي. الصرخات تمتزج بأصوات القصف، وصدى الانفجارات يمزّق صمت الليل، فيما الطائرات لا تغادر سماء غزة.

في تلك اللحظة، كانت أم أحمد تحاول تهدئة طفلها الصغير، أحمد، الذي لم يتوقف عن البكاء منذ أن اهتزت جدران منزلهم تحت وطأة انفجار قريب. ارتجفت يداها وهي تجمع بعض الأغراض على عجل في حقيبة صغيرة: هوية زوجها، قطع ملابس لأطفالها، وزجاجة ماء بالكاد تكفي لساعات.

وقف زوجها عند الباب، يتفحص الطريق بحذر، ثم قال بصوت مرتجف: "يجب أن نخرج الآن... لن ننجو إذا بقينا هنا." نظرت إليه بعينين ممتلئتين بالخوف، لكنها أمسكت بيد طفلها الصغير، وسحبت معها ابنتها سارة، التي لم تفهم تمامًا ما يحدث، لكنها أدركت أن والدتها تبكي بصمت.

خرجت العائلة تسير في طرقات الشجاعية، بلا وجهة واضحة. كل مكان لجأوا إليه كان مدمّرًا أو مزدحمًا بآلاف المشردين الذين يبحثون عن مأوى. 
بعد ساعات من السير، وصلوا إلى إحدى المدارس التي تحوّلت إلى ملجأ، لكن القاعات كانت ممتلئة بالكامل، فافترشوا الأرض في الساحة الخارجية، حيث لم يكن هناك سوى قطع كرتون وبطانيات قديمة وزّعتها فرق الإغاثة.

مجزرة مستمرة ونزوح لا ينتهي

هذا هو حال آلاف العائلات في غزة، التي تعيش أوضاعًا مأساوية بعد استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه بقيادة المجرم بنيامين نتنياهو، في خرقٍ واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في التاسع عشر من يناير الماضي.

في الأيام الأخيرة، شنّ الاحتلال مئات الغارات الجوية العنيفة باستخدام الطائرات الحربية والمروحيات والمدفعية، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 640 مدنيًا وإصابة أكثر من 1172 آخرين، في حين اضطر آلاف الفلسطينيين للنزوح مجددًا نحو المجهول.
استهدفت القنابل الأحياء السكنية والبنية التحتية، فحوّلت المنازل إلى أنقاض، بينما العالم يراقب بصمت، دون أي تحرّك لوقف المجازر.

حصار خانق وتجويع متعمد

مرّ أسبوع، ولم يتوقف القصف. غزة تغرق في ظلام دامس، بعدما شلّ الحصار جميع مناحي الحياة. المعابر مغلقة منذ ثلاثة أسابيع، والطعام شحيح، والمياه نادرة، والوقود نفد تمامًا، فيما تغصّ المستشفيات بالمصابين، وتعجز عن تقديم الرعاية الطبية بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الأساسية.

كانت أم أحمد، كل ليلة، تراقب أطفالها وهم يحاولون النوم على الأرض الباردة، تحاول أن تخفي دموعها، حتى لا يشعروا بخوفها وعجزها. في إحدى الليالي، نظرت إلى زوجها وقالت بصوت خافت:
"إلى متى سنظل نازحين؟"

لم يعرف أبو أحمد بماذا يجيب. نظر إلى السماء الحالكة، حيث الطائرات لا تزال تحلّق، وأدرك أن الإجابة ليست بيده.

كارثة إنسانية تلوح في الأفق

وتؤكد التقارير الميدانية أن سكان غزة يعيشون حالة من الذعر والخوف، حيث اضطرت آلاف الأسر إلى مغادرة منازلها تحت وابل القصف، متجهة نحو المدارس أو المساحات المفتوحة التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات الحياة. ومع تكرار موجات النزوح، لم يعد هناك أي مكان آمن، ولم يعد النازحون يجدون ما يسد رمقهم أو يخفف عنهم قسوة الأيام.

نداءات استغاثة.. واستجابة دولية غائبة

وفي ظل هذا الواقع المأساوي، تواصل المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان تحذيراتها من كارثة إنسانية غير مسبوقة، مطالبة بتدخل عاجل لوقف العدوان وحماية المدنيين.
لكن، وبينما تُصدر التصريحات وتُعقد الاجتماعات، يستمر العدوان في حصد مزيد من الأرواح، وسط عجز المجتمع الدولي عن وضع حدّ لهذه الكارثة الإنسانية المتفاقمة.

إلى متى؟ سؤال يتردد في كل بيت مدمّر، في كل خيمة نزوح، في كل نظرة خوف لطفلٍ سُلب منه حقه في الحياة والأمان.

ولكن، في غزة، الإجابة دائمًا واحدة: سنبقى صامدين... حتى تنتهي هذه الحرب

`
البث المباشر