ودعت غزة اليوم القائد الوطني الكبير والأديب والناقد الفلسطيني المرموق الدكتور صلاح البردويل، أحد أعلام اللغة العربية وروّاد القصة القصيرة في فلسطين،
كانت زاويته الأدبية الأسبوعية "من شوارع الوطن" إحدى أهم القنوات الأدبية لتشخيص الواقع الفلسطيني المعاش وتوجيه النقد اللاذع للسلطة الحاكمة ومسار التسوية مع الاحتلال،
في أحد المؤتمرات للاحتفاء بالشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور في جامعة الأزهر بغزة، وقف الرجل بين الحضور وقال أوجه تحية خالصة للدكتور والقائد الفلسطيني صلاح البردويل، والذي رغم كونه سياسيا مرموقا، إلا أنه أفضل من قدم دراسة نقدية حقيقية لأعمالي الشعرية والأدبية،
والدكتور، رحمه الله، ابن المخيم الذي يشبه بسطاءه ويشبهونه، وابن الحارة التي يجتمع مع شبابها كل مساء للعب كرة الطائرة، وابن قرية الجورة المحتلة، مركز مدينة عسقلان، والذي ظلّ محافظًا على لهجتها عن قصد للإشارة إلى أصل القضية وعنوانها الصحيح، أنها قضية عام 48 وليس 67،
عندما فاز العم أبو محمد في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، عمّت الفرحة كل أرجاء المخيم، مخيم اللاجئين في خانيونس، فقد صار لفقراء الحي صوت في البرلمان، وصوت عالٍ ومسموع، ولا أذكر أنه خذل أحدًا منهم، أبدا، عليه رحمة الله،
ولما ورد خبر استشهاده صباحًا، جاء الخبر أنه ارتقى وهو ساجد، مقيمًا للّيل ومتهجدا، فقلنا لا عجب، فالرجل يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ولطالما انتظر روّاد مسجد الشافعي في خانيونس أن تكون صلاة الفجر خلفه وبإمامته، فقد حباه الله صوتًا جميلاً، يملؤه الأنين والحنين،
وعلى طريقته في كتابته، خلّيكم فاكرين، نعم، خلّيكم فاكرين يا فلسطينيين ويا عرب، أنه قُدم لهؤلاء الرجال بدل العرض الواحد عشرة للخروج الآمن والنجاة بأبنائهم وأنفسهم وعائلاتهم، ولكنّهم فضّلوا، عن طواعية، وفي لحظة اختيار حر، أن تكون نجاتهم مع أبناء شعبهم، في خيمة بالية، يجوعون كما يجوعوا، وتُغرقهم حبات المطر الثقيلة كما يغرقون،
لعمرك هذا ممات الرجال، ومن رام موتًا شريفًا فذا، إلى رحمة الله يا أبا محمد، إلى رحمة الله وفضله وواسع كرمه، وأحسن الله عزاءنا في الصادقين…