في مشهد مشابه لمشهد اغتيال الصحافي إسماعيل الغول، اغتالت صواريخ الاحتلال حسام شبات. كانت الطائرة الحربية الإسرائيلية تلاحق سيارته بكل دقة، وعندما اقتربت منها، أطلقت صاروخًا استهدفه بشكل مباشر. كان حسام في سيارته برفقة عدد من زملائه، متوجهين من شمال غزة إلى مدينة غزة لإتمام مهمتهم الإعلامية. في لحظات قليلة، تحولت السيارة إلى كتلة من اللهب.
ومثلما حدث مع الصحافي إسماعيل الغول، الذي اغتاله الاحتلال في ذات الطريقة، كانت الطائرات تلاحق الصحافيين بشراسة. وفي لحظة واحدة، اختفت حياة حسام شبات. ومعه ارتقى عدد من الشهداء المارين في الشارع، وكانوا زملاءه الذين كانوا برفقته. كان مشهد استهدافه مؤلمًا، تمامًا كما حدث مع الصحافي رامي الريفي في المرات السابقة، حيث تحول صواريخ الاحتلال إلى أداة لقتل الحقيقة وقتل الصحافيين الذين يدافعون عنها.
حسام شبات، الشاب الذي وُلِد في التسعينات، كان جديدًا في عالم الصحافة، ولكن سرعان ما أصبح واحدًا من أبرز الوجوه الإعلامية في شمال غزة. كانت كاميراته تُسجل، وأقلامه تكتب، حتى أصبح مصدرًا موثوقًا للصور والأخبار المتعلقة بكل مشهد من مشاهد العدوان.
لم يكن حسام مجرد صحافي، بل كان الصوت الذي يروي قصص النزوح، القصف، والدمار. كان يركض بين أنقاض المباني، يلتقط الصور التي تروي حجم المأساة الفلسطينية، ويعود لتوثيق لحظات القهر بصوته الذي يُسمع في جميع أنحاء غزة.
كانت طموحاته كبيرة، لا سيما بعد أن ينتهي العدوان، كان يحلم بالعودة إلى أحضان عائلته وأصدقائه. كان يتمنى أن يلتقي أحبائه بعد أن تنتهي هذه الحرب المدمرة، ليعيش لحظات من السلام بعيدًا عن القصف والدمار. لكن حلمه سرعان ما انتهى في لحظة غادرة.
يقول زميله محمد قريقع:" استثنائية حسام كانت تميزه، جدزء كبير من الصور التتي طافت العالم العربي والدولي كان الفضل في توثيقها لحسام شبات، كان جريئا وقد أثبت نفسه بقوة ، كان لديه الكثير من الأحلام، أحلام بالدراسة والزواج والاستقلال، كان صحافيا قويا ومصدر مهم لنا جميعا"
هذه الجريمة تأتي بعد أن كان جيش الاحتلال قد نشر قبل أشهر قائمة تهديد بالصحفيين الفلسطينيين، زاعمًا أن هؤلاء الصحفيين ينتمون لحركتي حماس والجهاد الإسلامي ويعملون مع قناة الجزيرة. وقد استهدف الاحتلال بالفعل عددًا من الصحفيين الذين وردت أسماؤهم في تلك القائمة، ومن بينهم الصحافي حسام شبات، الذي طالته يد الاحتلال في استهدافه المباشر، وهو في طريقه إلى أداء واجبه الإعلامي.
حسام، الذي لم يكن بعد قد أتم مسيرته الصحفية، والذي لم تتح له الفرصة ليعيش حلمه بالسلام والعودة إلى عائلته، أصبح شهيدًا آخر في قائمة طويلة من الصحفيين الذين سقطوا ضحايا هذا العدوان. ولكن، ورغم رحيله، يبقى صوته في صورته، وفي القصص التي رويها، وفي كل لحظة وثَّق فيها جريمة الاحتلال.
وفي إطار الإدانة لهذه الجريمة الوحشية، أدان المكتب الإعلامي الحكومي بأشد العبارات استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الفلسطينيين. وأعلن المكتب عن ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى 208 صحفيين منذ بداية حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، بعد استشهاد الصحافي حسام شبات.
ودعا المكتب الإعلامي الحكومي الاتحاد الدولي للصحفيين واتحاد الصحفيين العرب وكل الأجسام الصحفية في دول العالم إلى إدانة هذه الجرائم الممنهجة ضد الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة. كما حمّل الاحتلال الإسرائيلي، والإدارة الأمريكية، والدول المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية مثل المملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم الوحشية.
اليوم، لا يظل في غزة إلا صوته عبر الصور التي تركها، وعبر الكلمات التي رددها من خلال كاميراته. صحافي شاب، سقط شهيدًا في الطريق إلى عمله، لكن إرثه الإعلامي لن يزول، وسيظل حكاية تُسجل في ذاكرة كل فلسطيني، وكل إنسان حمل في قلبه الأمل في أن غزة ستظل حية، رغم القتل والدمار.