لم تنفك حركة فتح عبر قادتها والمتحدثين الرسميين؛ في التعبير عن سردية سبق الحركة في العمل الفدائي والوطني؛ ولومها على حركة حماس وفصائل التيار الإسلامي المقاوم في التأخر بالتحاقهم في العمل العسكري.
لكنّ هذه السردية تبعث في هذه المرحلة مجموعة تساؤلات جوهرية؛ حول تجربة الحركة فيما يتعلق بالمفاوضات وتسليم السلاح بمراحل زمنية مختلفة؛ لقاء ما كانت تسميه الحركة "سد الذرائع وحماية أبناء شعبنا الفلسطيني"؛ ليطرح سؤالا مهما هل حمت فعلا حركة فتح الشعب الفلسطيني بعدما سلمت سلاحها؟!
يحتفظ التاريخ الفلسطيني بمجموعة شواهد؛ اضطرت فيها حركة فتح لتسليم السلاح في مراحل زمنية مختلفة؛ تحت مسمى حماية الوجود الفلسطيني؛ لكنّ الوقائع تثبت أن النتائج كانت معاكسة؛ وتسببت تلك الخطوات بمزيد من المجازر والمآسي للشعب الفلسطيني؛ تلك أبرزها.
📍 محطة بيروت – 1982
كانت أبرز محطات التسليم في بيروت، عندما انسحبت قوات منظمة التحرير الفلسطينية تحت الضغط الدولي بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982. ورغم أن الانسحاب جاء بناءً على اتفاق برعاية المبعوث الأمريكي فيليب حبيب، الذي تضمن ضمانات دولية لحماية المدنيين الفلسطينيين، إلا أن النتيجة كانت كارثية.
🔴 ما بعد الانسحاب:
- في 31 أغسطس 1982، غادر الرئيس الراحل ياسر عرفات وقادة المنظمة بيروت إلى تونس.
- بعد أسابيع فقط، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث استشهد نحو 4,000 فلسطيني على يد ميليشيات لبنانية بدعم إسرائيلي، ما شكل واحدة من أكبر المجازر في التاريخ الفلسطيني.
📍 اتفاق أوسلو – 1993
شكّل اتفاق أوسلو نقطة تحول كبرى، إذ نقل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من الكفاح المسلح إلى التنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي.
🔴 نتائج أوسلو:
- 1998: أسقطت منظمة التحرير رسميًا مادة الكفاح المسلح من ميثاقها، خلال حفل حضره الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في غزة.
- اغتيال أبرز قادة المقاومة، منهم عماد عقل والمهندس يحيى عياش.
- لاحقًا، تورطت السلطة الفلسطينية في تصفية مطلوبين لإسرائيل، مثل عمار الأعرج وأيمن الرزاينة، المسؤولين عن عملية بيت ليد.
🔴 الاستيطان والشهداء قبل وبعد أوسلو:
📌 الاستيطان:
- قبل أوسلو (1993): 110,000 مستوطن في الضفة والقدس.
- بعد أوسلو (2024): أكثر من 700,000 مستوطن، مع توسع استيطاني غير مسبوق.
📌 عدد الشهداء:
- قبل أوسلو (1987-1993): 1,550 شهيدًا خلال الانتفاضة الأولى.
- بعد أوسلو (2000-2024): أكثر من 13,000 شهيد، خصوصًا خلال الانتفاضة الثانية والعدوانات على غزة.
📌 الخلاصة: بعد أوسلو، زاد الاستيطان بشكل هائل، وارتفع عدد الشهداء نتيجة استمرار الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية.
📍 الانتفاضة الثانية – 2000
شهدت الانتفاضة الثانية إجراءات أمنية غير مسبوقة من قبل السلطة ضد المقاومة، أبرزها:
🔹 اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات لمنع حصار الاحتلال للرئيس ياسر عرفات، وهو شرط فرضه إسرائيل وأمريكا وبريطانيا.
🔹 تسليم قادة عملية اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي، إضافة إلى فؤاد الشوبكي المسؤول عن سفينة كارين A.
🔹 عام 2006، اقتحم الاحتلال سجن أريحا واعتقل الجميع، رغم تعهدات بعدم المساس بهم.
✖️ النتيجة: لم يتم فك حصار عرفات، بل اشتد، مما أدى إلى اغتياله بالسم لاحقًا.
📍 فترة محمود عباس – 2005 حتى الآن
بعد فوز محمود عباس في الانتخابات عام 2005، أعلن برنامج "لا أريد مقاومة"، وبدأ بحل الأجنحة العسكرية مقابل تعهدات إسرائيلية بعدم استهداف المطلوبين إذا سلموا سلاحهم.
🔴 مقابل ذلك:
- استمر توسع المستوطنات من 240,000 مستوطن إلى 700,000 مستوطن.
- وصل عدد الحواجز العسكرية إلى 1,000 حاجز يعزل المدن والقرى الفلسطينية.
- قُضم أكثر من 60% من أراضي الضفة، وتم تدمير 7 مخيمات فلسطينية من أصل 19.
🚨 الخلاصة النهائية
كل مرة سلّمت فيها "فتح" سلاحها بدعوى حماية الفلسطينيين، كانت النتيجة عكسية، حيث تزايدت الاعتداءات، والاغتيالات، والمجازر، والاستيطان. السؤال يبقى مفتوحًا: هل كان تسليم السلاح سبيلًا لحماية الشعب الفلسطيني، أم مقدمة لمزيد من النكبات؟