قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: نظرية وطنية جديدة

الكاتب مؤمن بسيسو (أرشيف)
الكاتب مؤمن بسيسو (أرشيف)

مؤمن بسيسو

في سبل إعادة الاعتبار لمسيرة التحرر الوطني ضرورة ماسة لصوغ نظرية وطنية جديدة تسهم في حل الإشكاليات وفك التناقضات الحاصلة بين اتجاه التحرر الوطني، واتجاه العمل السياسي السلطوي، واتجاه الأسلمة واستئناف الحياة الإسلامية في المجتمع، وتمنح قوى المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، القدرة على ملء الفراغ الواسع الذي خلّفته حركة فتح، وتكريس ذاتها كحركة قائدة للمشروع الوطني الفلسطيني على أسس سليمة.

النظرية الوطنية الجديدة المتوخاة ذات أضلاع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أساسية، ولن يكتمل مسير التحرر الوطني على النحو المطلوب إلا بتضافرها جميعا كوحدة واحدة دون أي بخس أو انتقاص.

سياسيا، لا مناص من تكريس رؤية سياسية جديدة تعتمد على إعادة بلورة الأهداف والوسائل السياسية بما يتفق مع مسار التحرر الوطني، وإعادة بناء الموقف السياسي تجاه الأحداث والقضايا المختلفة وفقا لمدى وطبيعة القرب من هدف التحرر المنشود.

تكريس قيم التوافق والشراكة الوطنية يشكل أحد القواعد الأساسية المعضدة لنجاح أية رؤية سياسية جديدة، فالثابت أن مرحلة التحرر الوطني تستلزم بناء المواقف وتحشيد مختلف الطاقات الوطنية، شعبيا وفصائليا، دون استثناء، في إطار المعركة الكبرى مع الاحتلال، وانتهاج سبل التنسيق الجاد والتعاون المثمر مع الكل الوطني على أرضية المشتركات الكبرى التي يوفرها العمل المشترك في مواجهة الاحتلال.

إعادة تقدير الموقف من مسألة الانخراط غير المحسوب في مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني تشكل -أيضا- حاجة بالغة الضرورة على طريق إعادة ضبط بوصلة الرؤية والخطاب السياسي في الاتجاه التحرري المنشود، فقد بات واضحا لكل ذي عينين أن حماس لا تقوى على استمرار تجرع كلفة الانسياق مع متطلبات المرحلة السلطوية ذات الكيان الإداري المرتبط عضويا بأوسلو في ظل تحكم الاحتلال بالكمّ الأكبر من المقومات الاقتصادية والموارد الحياتية اللازمة لتسيير حياة الفلسطينيين.

المهمة الأكثر إلحاحا التي تنتظر حماس تكمن في إعادة صوغ الدور الوظيفي للسلطة ومؤسساتها المختلفة، وضمان نزع أبعاده السياسية الخادمة للاحتلال ومشروعه الأمني لصالح أبعاد إدارية بحتة خادمة لشعبنا ومعززة لمشروعه التحرري.

يتأسس على ذلك رؤية إبداعية خلاقة تنأى بالحركة ورموزها عن التماس المباشر مع هياكل السلطة وإطاراتها المختلفة لصالح اعتماد مرشحين أكفاء أكثر ابتعادا عن الروح الحزبية في ظل رقابة صارمة تضمن حسن وسلامة الأداء المهني وإعمال مبادئ العدالة من جهة، والتحلل من آثار الروابط والالتزامات السياسية مع الاحتلال من جهة أخرى.

اقتصاديا، ينبغي قولبة العمل الاقتصادي الفلسطيني وإطاراته المختلفة في الاتجاه الوطني الخالص بعيدا عن الارتباط بقيود الاتفاقيات الاقتصادية مع الاحتلال، وتوطين الذات الاقتصادية على الاعتماد على الموارد المحلية قدر الإمكان، وتهيئة البنى والهياكل الاقتصادية للانسجام مع متطلبات الاقتصاد المقاوم الذي يتناسب مع مرحلة التحرر الوطني ويخدم أهدافها.

اجتماعيا، يجب إعمال منطق الحكمة في ترتيب الأولويات بما يخدم أهداف التحرر الوطني، والبحث في كل ما يضمن تجنيد وتحشيد كافة الشرائح الشعبية في معركة التحرر ضد الاحتلال على كافة مستوياتها، ما يعني حسن التعامل والتواصل مع الناس على قدم المساواة وتوطيد العلاقات معهم بعيدا عن المحاباة الشخصية أو الولاء الحزبي، وتلمس همومهم ومعاناتهم وشؤون معاشهم، وتأجيل الأفكار والسياسات ذات الطابع القيمي الخاصة بأسلمة المجتمع إلى ما بعد إنجاز الحرية والتحرير، وخصوصا في ظل التدين الفطري للمجتمع الفلسطيني، واستجابته الطبيعية لمظاهر التوعية والدعوة والإرشاد بعيدا عن منطق الفرض والإكراه المنبوذ.

ثقافيا، يُفترض التحلي بأكبر قدر من التواضع الفكري والثقافي والأيديولوجي مع الجميع، وخاصة مع المخالفين، وتجنب التعاطي الفوقي مع هؤلاء، وعدم الانعزال أو الابتعاد عنهم، والحرص على إبداء المحاججة الثقافية والحوار السياسي والفكري الهادئ الذي يسهم في ترطيب الأجواء وتأليف القلوب، ما يعبّد الطريق نحو استيعاب مختلف فئات وشرائح المجتمع لصالح النهج المقاوم ومسار التحرير.

قيادة المشروع الوطني ليست كلمة عابرة تقال أو شعارا رنانا يطلق في الهواء، بل رؤية عميقة وتخطيط منهجي يتسق تماما وأهداف التحرر والاستقلال، وتجسيد لمنظومة متكاملة الأركان والحلقات أولا وأخيرا.

البث المباشر