(نحن لسنا أصحاب أوسمة، وسام الشرف هو القتال في سبيل الله، هذا وطن غالي وهذه قضية عظيمة .. وهذه الجنة ) كلمات رددها القائد الشهيد أحمد الجعبري ولا زالت تدوي في آفاق الوطن لترسم المسار الصحيح لمن يريد الحياة.
عمل الرجل الذي قضى سنوات طويلة من شبابه في سجون الاحتلال على انشاء جيش للمقاومة، وصل الليل بالنهار لانقاذ المنسيين في الأسر، أدى فريضة الحج وهو يدعوه الاصطفاء حتى نال الشهادة صدقا بصدق.
يظن البعض ان اغتيال القادة يفت من عضد المقاومة، فاذ به انعطافة نحو القمة ترهق المحتل وأعوانه، تعانق روح خالد أبو بكرة روح الجعبري فلم تمنع كليهما عتمة السجن من البحث عن نور المقاومة من لحظة الافراج عنهما.
الجعبري قاد ملف الجندي الاسرائيلي الأسير بتخطيط وذكاء منقطع النظير وتفاوض عنيد شرس لأكثر من خمس سنوات حتى تمكن من الوفاء لاخوانه الأسرى بالافراج عن أكثر من ألف منهم، وأبو بكرة حاول عبر بوابة المجهول في نفق العين الثالثة أن يفعلها بشاليط جديد لكن الله قدر أمرا آخر.
قادة الاحتلال لهم مع الجعبري ثأر خاص بعدما مرغ أنوفهم بالتراب، حيث لم تستطع كل أجهزة أمنهم ومخابرات دول أجنبية وتنسيقهم الأمني مع السلطة معرفة معلومة واحدة عن جنديهم الأسير، وكانت صورة الجعبري يقتاد شاليط للافراج عن اخوانه الأسرى مشهدا مستفزا لهم لن ينسوه أبدا.
تميز الجعبري بعلاقات وثيقة مع قادة المقاومة، فقد كان كل همه تثبيت المقاومة فكرا وثقافة وسلوكا ومنهجا لتغدو فعلا الحياة مقاومة، علم يقينا أن العدو هو (اسرائيل) وما سوى ذلك تفاصيل يجب ألا ينشغل بها الصف الوطني والمقاومة، فدعم هذا وساعد ذاك ودرب هؤلاء، وحل مشاكل الأصدقاء، وقدم السلاح لكل من يرفع لواء الجهاد ضد الاحتلال.
تمكن الجعبري من بناء قوة عسكرية مقاومة تزعج الاحتلال وأعوانه ودفع ثمن ذلك من دماء أبنائه وأسرته ومقربيه، وأكمل مسيرته التي اتضح شيئا منها في رد كتائب القسام على اغتياله، فوجدنا جيشا منظما بتخصصات دقيقة تديره قيادة بمنهجية علمية وعقلية عسكرية فذة تدرك الواقع وتستشرف المستقبل محكومة بقرار سياسي يلتزم الشورى.
طريق الجعبري وأمثاله معروفة النهايات غالبا، لكن يقينهم بنصر السماء يدفعهم إليه دفعا، وهم على قناعة ان دماءهم تدعم الفكرة، وأن مؤسستهم عصية على الكسر والانهيار.
لم يحظ قائد أركان المقاومة بالنياشين، ولا بنوط القدس، ولم يتطلع إلى شيء من هذا، لكنه علم الدنيا كيف يكون العمل للوطن، هم صنعوا له الموت وهو صنع لشعبنا الحياة.
نعم تألم المجاهدون وغضبت المقاومة وحزن شعبنا لاستشهادك، لكن أبدا ما مس اغتيالك إرادة وعزيمة المقاومة التي أمطرتهم بما لا يتوقعون، لقد انتهى العصر الذي يفرض فيه الكيان الاسرائيلي شروطه على الآخرين، وبدأ زمان العد التنازلي لجسم غريب زرع في جسد أمتنا وستلفظه عما قريب.
رحل الجعبري وقد اطمأن على غرسه، وفرح قلبه بكتائب القسام والمقاومة المظفرة، رحل وهو يتلو آيات القران واصبعه على الزناد، ويقول هنا تبدأ مسيرة الحياة ونرسم طريق النصر فهل فهمنا الرسالة ؟!!.