مقال: اذكروا محاسن أطبائكم

 رئيس التحرير أ. وسام عفيفة
رئيس التحرير أ. وسام عفيفة

بقلم/ رئيس التحرير أ. وسام عفيفة

كثر الحديث عن الأطباء والصحة في بلادنا, وقد اعتدنا أن نتعرض لهم بالتشريح والتشخيص السلبي, حتى وصلنا إلى نخاع المشكلات, وكشفنا أمراض التقصير, ولأن مهنة الطب هي الوحيدة التي تختص بأرواحنا وسلامة أجسادنا, فلم يكن بمقدور العامة أو الخاصة تجاهل العاملين فيها, حتى إذا ذكر ملك الموت, تذكروا الطبيب الفلاني, والمستشفى العلاني, سواء في الأمر مبالغة, أو أصابوا من الحقيقة جانبا.

لكن النزاهة والأمانة تقتضى أن نذكر محاسن أطباء, وهم "يبلسمون" وجع المريض دون مشرط أو حقنة, بل بسلوك إنساني, وحسن استماع للعليل, يعطوه الجواب الشافي بالمختصر والتحليل.

على سبيل المثال يتسع صدر طبيب في قسم الأطفال بمستشفى شهداء الأقصى في المحافظة الوسطى, وهو يستمع لشكوى الأمهات, وقد "تشربحن فيه" لأنه من الظواهر النادرة التي يظهر فيها الطبيب الإنسان، الذي يجيب لوعة الملهوفة على فلذة كبدها, و"يأخذ ويعطي", ويتفحص الطفل, ويهدئ من روع الأم, وينتقل لحالة أخرى في غرفة مزدحمة بأمراض مختلفة, وإمكانيات متواضعة, دون أن يشكو أو يتأفف, باختصار" طبيب روحه طويلة", بخلاف الطبيب "الدنجوان", يدخل الغرفة معلنا: "يا أرض اتهدي ما عليكي قدي", ايديه في جيبه, ويلمس المريض بتقزز, يوزع التشخيص والعلاج "على الطاير", واذا شخص حالة, وصفها للمريض وذويه باعتبارها "فزورة" وإذا أردتم أن تعرفوا الإجابة: إلحقوني إلى عيادتي الخاصة".

نسيت.. نحن قررنا من البداية ألا نتعرض لهذه الشريحة من الأطباء, لكن الله يسامحهم يقفزوا أمامنا بلباسهم الأبيض وسيرتهم السودة.

نعود للطبيب الإنسان, وهو موجود في كل مستشفى وعيادة, لكنه ليس من أصحاب البورجوازية الطبية, يعمل بهدوء أكثر مما يتحدث, وجل وقته وزيادة يستنفذه خلال ورديته في المستشفى, وليس في عيادته الخاصة, يمنح المريض والعلاج وقتا أكثر من التدوين على تذكرة الدخول, هو أيضا مهموم, إذا جلست معه سوف تكتشف أنه موجوع, ويبحث عمن يداويه, على رأي الأغنية:  طَبِيبْ جَرّاحْ .. قُلُوبْ النّاسْ أداوِيها

ياما جْراحْ .. سِهِرْتْ اللّيلْ أدارِيها

راتبه بالكاد يكفيه, لا يلقى التشجيع الذي يستحق, ولا يحصل على حوافز لتفانيه في العمل, بينما أطباء من كتبة التقارير ومسح الجوخ يحصلون أحيانا على مواقع إدارية, ما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص, ويثبتون بذلك المثل الشعبي السلبي: "الخار... والقاري واحد".

رغم ذلك طبيبنا الإنسان, يحترم أخلاقيات المهنة, ويؤمن أنه في النهاية "يحلل قرشه", يشعر بسعادة وهو يستقبل دعاء صادقا يخرج من قلب مريض أو ذويه, يعتبرها مكافأة ترفع رصيد معنوياته, وتخفف عن كاهله ضغط العمل.

وكأني الآن أستمع إلى طبيب من الشريحة إياها يقول: "دعاء صادق, وين بينصرف, من أي بنك؟" ردوا عليه يا ناس.

البث المباشر