"الرسالة نت" في بيت ماهر عودة.. حكاية الحرمان المبكّر

رام الله-الرسالة نت "خاص"

 

البيت الجديد، والوالد المتواجد بينهم، وممازحات الأشقاء مع الوالدين في يوم هادئ جميل.. كلها أركان حياة مثالية لم تدم إلا دقائق معدودة لدى أطفال الشيخ ماهر عودة ..الخطر الأمني الأول على كيان دولة الاحتلال بكل ما فيها.

 

ولم تغب دموع الفرح عن محيا الأطفال حين جاءهم الوالد لأول مرة ..منذ مدة طويلة يشتاق احتضانهم وألعابهم وضجيجهم وصراخهم، وكأن كل قطع الحياة سقطت في مكانها الصحيح عندما جلس معهم كما كل الأطفال مع آبائهم.

 

وتحول البيت المعتم الكئيب إلى جنة غناء تتراقص فيها الكلمات فرحاً بمجيء الوالد المطارد منذ عشر سنوات حرمه الاحتلال – وأشباهه- خلالها رؤية الأطفال والزوجة.

 

وقُلبت الصورة..!

 

النعاس غلب  جفون الأطفال رغم اشتياقهم لوالدهم، فوضعوا أحلامهم لغد أجمل ما دام الأب بينهم، ولكن خفافيش الليل لا بد أن تمارس هوايتها في تشويه الليل وسكونه والنهار وإشراقته.. وما هي إلا لحظات حتى حاصر جنود الاحتلال المنزل مدججين بكل الأسلحة التي لا يسمع عنها الأطفال إلا في خيال أو عالم آخر.

 

وتسرد الابنة الكبرى إيناس (19 عاماً) تفاصيل انغرست في ذاكرتها ولا يبدو أنها ستنمحي يوماً، فتصف " "للرسالة نت "بصوت يكاد لا يصدق ما حدث قائلة:" كنت نائمة أنا وأخوتي الثلاثة، وفجأة استيقظنا على صراخ الجنود وأصوات طرقاتهم على الباب، فإذا بهم يقتحمون المنزل بكل همجية ويأمروننا نحن الأبناء بالخروج من باب البيت".

 

وبالطبع لم تقف الأمور عند هذا الحد، فالمستهدف هو الوالد الذي ما كاد يشبع عينيه بالنظر إلى أطفاله، حتى باغته الجنود وسط منزله في حي الشرفة برام الله، وأبقوا عليه وزوجته داخل المنزل متلذذين بتحطيم محتوياته وتخريب ما تطوله أيديهم وسرقة ما يحلو لهم.

 

الفراق

 

وبعد ساعات من اقتحام البيت وترهيب الأطفال وتشويه ربع يوم مثالي هو الأول الذي يذوقونه منذ أكثر من عشر سنوات، كان الأطفال على علم بأن والدهم سينضم إلى لائحة طويلة من الأسماء المتوارية خلف القضبان تشكو إلى الله ظلم السجان.

 

 ولكنهم لم يتوقعوا أبداً أن تنضم الأم أماني (37 عاماً) كذلك إلى أكثر من 70 أسيرة يستغثن كل صاحب ضمير لتخليصهن من الظلم الواقع عليهن.

 

وتقول إيناس التي تدرس في جامعة القدس " للرسالة نت "  :" رأينا والدينا يتم اقتيادهما إلى داخل آليات الاحتلال.. لا أستطيع وصف المشهد لشدة ألمه".

 

 بالطبع لن تستطيعي يا إيناس وصف المشهد، فهو يختصر كل الكلمات ويضرب عمق القلب، وأي ظلم يفوق اعتقال الوالدين أمام الأطفال وتركهم وحيدين في عتمة الليل..؟.

 

سحبوا الوالدين

 

ولكنها تستدرك ما بعد عملية الاعتقال وتضيف:" أخي محمد الصغير البالغ عمره تسع سنوات كان يبكي تارة وأنجح في إسكاته تارة أخرى، ولا ألومه في شيء فهو طفل رأى والديه يُسحبان بين الجنود ويختفيان".

 

كل أركان المشهد المتحركة تلاشت بعد اعتقال الهدف وزوجته، وبقيت الأركان الساكنة حبيسة المنزل تتمثل في بقايا أثاث محطم وبقايا ذكريات خُدشت براءتها، وبقايا حياة جميلة لم تبدأ بعد.. وتدفقَ الأقارب إلى الأطفال محاولين إصلاح ما أفسدته "بساطير" الجنود وهمجيتهم المعتادة.

 

هي لحظات فقط حتى أصبح الوالد الحنون خبراً في وسائل الإعلام يختال جهاز الشاباك فخراً باعتقاله كونه المسؤول الأول عن عدة عمليات استشهادية أودت بسبعين رأساً صهيونياً.

 

والأم التي طالما تنقلت بهم من بيت إلى بيت صابرة محتسبة آملة أن يبدلها الله حسنات، أمست أسيرة في مركز تحقيق المسكوبية حتى الآن تتناقل وسائل الإعلام أنباء اعتقالها أو عدمه.

 

وتختتم إيناس "للرسالة نت " حديثها المتعب أصلاً:" كانوا محملين بأعتى أنواع الأسلحة والأجهزة المتطورة، وصادروا مجموعة من الوثائق الشخصية وآلات التصوير الخاصة بنا وجاهز حاسوب محمول وصور والدي".. وكأنهم لا يريدون للذكرى حتى أن تلازم الأطفال بعد جريمتهم التي لا يدري أحد ماذا ستكون آخر فصولها.

 

 

 

 

البث المباشر