تخيلوا... كيف يمكن أن يكون شعور مختار أو رجل إصلاح تعود أن يفض النزاعات والخلافات يوميا في حارته، ثم يستيقظ في صباح أحد الأيام ليجد السكان قد تصالحوا، وأجواء المودة تخيم على الناس، ولم يعد أحد يرتاد ديوان المختار، ويبدأ يفقد امتيازاته بعدما كان صاحب "شنة ورنة" بحكم دوره في "الشبك" والإصلاح بين الناس.
على نفس المنوال يبدو أن المصالحة بين حماس وفتح تهدد امتيازات وتمايز بعض الجهات وأصحاب الدكاكين التي قامت تجارة أصحابها على الفزعات والقيام بأدوار "الشبك" والمخترة، بل إن مضي المصالحة-لو قدر لها النجاح- نحو إلى إعادة بناء منظمة التحرير يهدد بإغلاق بعض الدكاكين.
ويحن هؤلاء لتلك الأيام حيث باعوا علينا دروسا في الوحدة الوطنية، ومخاطر تعطل المصالحة على القضية، وتحميل طرفي الانقسام مسئولية كل شيء، بما فيها الخلافات الزوجية وارتفاع نسبة الطلاق، وأزمة الجندر، وحرية المرأة، ورفع البنطلون الساحل، وصدعوا رؤوسنا بالحديث عن المبادرات والانتخابات، ثم التحذير من الثنائية وإدارة الانقسام، وكان صوتهم أعلى وأكثر حدة في غزة بسبب حسابات المال والسلطة.
اليوم هناك شعور بالقهر لدى بعضهم من موقف كبير الحارة أبو مازن الذي راهن عليهم كخيول في مضمار الانقسام والمفاوضات، ويبدو أنه قرر أن يستغني عنهم في ميدان المصالحة، ويغير رهاناته، لهذا رفضوا إهاناته ورفعوا صوتهم الآن بعد طول صمت، وأعادوا تشغيل أسطوانة المحاصصة بين حماس وفتح، متجاهلين محاصصتهم في منظمة التحرير لعقود من الزمن، ومحاصصتهم في السلطة منذ إنشائها في الوظائف العليا والسفارات والامتيازات.
وأمام حالة الإحباط ومخاطر الانقراض، سيرفع ضحايا المصالحة شعار: "يا فيها يا بأخفيها"، وربما يطلقون مبادرات جديدة لمواجهة مخاطر المصالحة بين حماس وفتح على القضية الفلسطينية، وسيبشرون بعودة الاقتتال الداخلي لعدم مشاركتهم في اختيار الحكومة، ثم سيرفعون شعار "الحرد الثوري"، حتى يحن الرئيس ويردهم إلى جواريه الفصائلية، وسيتدللون على حماس باعتبارهم شركاء البندقية، وسيهددون بإحراق (إسرائيل) وعدم الالتزام بتهدئتها، وهكذا سيظلون مثل: (الجدي العطوي) في مأثورنا الشعبي، يرضع كل (الغنمات) ويظل (يباعي).