قائد الطوفان قائد الطوفان

"رحلة الموت".. الهرب من غزة إلى المجهول

(صورة من الأرشيف)
(صورة من الأرشيف)

الرسالة نت – معاذ مقداد

لم يُكتب لغزة وأهلها أن ينعموا بالحياة الكريمة في أيّ مكان على وجه الأرض، "برًا وبحرًا وجوًا وحتى من تحت الأرض" يَتْبع الموت الفلسطينيين من قطاع غزة كالظل، فحتى من يخرج من غزة هربًا من وضعها الصعب يلحقه الموت في عرض البحر.

وفي رحلة الموت عبر ظُلمات البحار، تلاطمت آمال الغزيين بين أمواج البحر العاتية، فلم ينجح الكثيرون في الإمساك بطوق النجاة والوصول لمبتغاهم بحياة كريمة في "أوروبا".

واستمرارًا لمسلسل معاناة سكان غزة، خرج في الآونة الأخيرة مواطنون من القطاع في هجرة غير شرعية حسب ما يصفها البعض، في رحلة عبر البحر أو بطرق أُخرى قاصدين الدول الأوروبية للعيش فيها، أملًا بواقع أجمل.

رحلة الموت

مراسل "الرسالة نت" التقى بأقرباء إحدى العائلات التي خرجت من غزة واستقلت مركبًا لنقل المهاجرين عبر البحر متجهة نحو أوروبا، لكن المركب الذي يُقلّ أكثر من 400 مهاجر غرق السبت الماضي في بحر الإسكندرية.

الشاب نعيم أبو عودة ترك غزة منذ أكثر من عشرين يومًا رِفقة عائلته، متجهًا عبر معبر رفح صوب الأراضي المصرية ليستقر خلالها في الإسكندرية، بانتظار لحظة الصفر والبدء في مغامرة البحر المظلم.

نعيم وزوجته وأبناؤه الصغار غرِقوا في مياه البحر بعد أن صدمتهم سفينة شحن يستقلها ستة أشخاص مجهولين، إلا أن رحمة الله واسعة فقد نجوا من الغرق وأعادتهم البحرية المصرية إلى مصر.

هي "رحلة الموت" نحو المجهول كما أسماها شقيق نعيم، والذي اعتبر خروج أخيه في هذه المخاطر رفقة زوجته وأبنائه الأربعة، أمر هيّن مقابل ما يواجهه في غزة، "فلا عمل ولا رواتب ولا حياة طبيعية يمكن استمرارها".

يقول أدهم أبو عودة شقيق نعيم لـ "الرسالة نت" إنه بصحة جيدة وقد نجا هو وأبناؤه فيما ترقد زوجته على أسرة العناية المركزة في المشافي المصرية بسبب اسقاطها الجنين الذي في رحِمها جراء الحادث، بعد أن أخرجتهم البحرية المصرية من عرض البحر الذي ابتلع المركب .

وبينت إفادات نشرها المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن مركبًا يحمل 400 راكب، العشرات منهم من غزة بينهم عائلات كاملة وأخرى من العريش خرجت من غزة عام 2007، فيما غرِق آخر قبالة سواحل إيطاليا.

لن اترك غزة

وشاعت خلال الفترة الماضية قضية هجرة أعداد من المواطنين في قطاع غزة عبر البحار اتجاه دول أوروبية مختلفة، يدفع بموجبها المهاجرين آلاف الدولارات لعبور المياه الدولية عبر مراكب بحرية مصرية وليبية.

محمد شبانة أحد المواطنين من ذات الحيّ الذي يقطنه أبو عودة يقول لـ "الرسالة نت" إنه يأمل أن يخرج من هذا الوضع إلى حال أفضل حتى ولو كان خارج غزة، "لكن الثمن غاليًا ماديًا ومعنويًا، فالأمر مُكلف في خسارة الأموال والبُعد عن الوطن".

الأربعيني شبانة لديه من الأبناء ثلاثة، يعتصره الألم على وضعِهم بغزة: "الوطن يسكن بداخلنا، لكن ليس لدينا وطن، فلنترك البلد ونبحث عن حياتنا خارجًا"، حسب تعبيره.

"أنا بدي أسافر على السويد"، كلماتٍ خرجت من فم ابنة شبانة والتي لا تبلغ من العمر خمس أعوام، فهي رأت بعينيها واقعًا صعبًا لا يحتمله الرجال فكيف بها أن تطيقه بغزة، حسب ما يقول والدها.

وفي المقابل، فإن عمّ الشاب الناجي من الغرق "نعيم" والذي يتقاضى راتبًا من السلطة الفلسطينية بشكل منتظم، يقول إنه لا يمكنه ترك بلده أو أهله مهما كلف الثمن، فكما يقول المثل الشعبي "من يخرج من داره ينقل مقداره" ففلسطين البيت الأول والأخير.

وبعد الحرب الأخيرة على غزة استمرت رحلات الخروج بشكل متقطع نحو الأراضي المصرية ومن ثم التوجه صوب أوروبا، فالحرب دعّمت فكرة الهجرة لدى الكثيرين "ليس خوفًا من الموت بل بحثًا عن الحياة"، حسبما يرى عمّ "نعيم".

غزة تلك البقعة الصغيرة في حجمها والعظيمة في تضحياتها وصمود شعبها لم تنكسر أمام أقوى الحروب وأعنفها، ينظر شعبها بقلق حيال فكرة الهجرة منها إلى الدول الأوروبية، "فهي موطنهم وأرضهم.. مؤقتًا حتى العودة لبلداتنا المحتلة".

البث المباشر