منذ أن انتهت الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على غزّة في صيف عام 2014، تشهد الحدود المشتركة بينهما حراكاً متبادلاً من قبل الجيش الإسرائيليّ ومقاتلي "حماس"، وكلّ منهما يرسل إلى الآخر رسائل تحذيريّة بعدم فرض أمر واقع جديد يتمثّل باستمرار حفر الأنفاق من جهة، واستمرار التوغّلات الإسرائيليّة من جهة أخرى، وجاء إعلان (إسرائيل) الأخير لإقامة الجدار الأمنيّ ليطرح أسئلة حول أهدافه الأمنيّة ودوافعه العسكريّة.
بصورة مفاجئة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيليّ موشيه يعلون أنّ الجيش الإسرائيليّ سيشرع ببناء جدار أمنيّ على حدود غزّة لمواجهة الأنفاق الّتي يحفرها الفلسطينيّون ويمنع استمرار تسلّلهم من غزّة إلى (إسرائيل)، وربما جاء القرار الإسرائيلي استجابة لمطالبات رؤساء مستوطنات غلاف غزّة للحكومة الإسرائيليّة لتزويد الحدود بوسائل تقنيّة قادرة على الإنذار من حفر الأنفاق، وبعثوا برسالة إلى يعلون لوضع خطط لتأمين حياة المستوطنين من سيناريو تسلّل مسلّحين فلسطينيّين من غزّة.
مع أن إقامة الجدار والحفريّات على طول الحدود مع غزّة يأتي في سياق تشديد الحصار الإسرائيليّ على القطاع، والفلسطينيون يمتلكون كلّ الخيارات لمواجهة هذا الإجراء الإسرائيليّ، لكنّ المجتمع الدوليّ مدعو إلى تحمّل مسؤوليّاته تجاه هذه الانتهاكات الإسرائيليّة، وتبدو الإشارة مهمّة إلى أنّ توقيت إعلان (إسرائيل) بإقامة جدار على حدود غزّة يتزامن مع اندلاع مواجهات دوريّة بين المتظاهرين الفلسطينيّين والجيش الإسرائيليّ منذ اندلاع الانتفاضة، وتسفر بين حين وآخر عن إصابات بين الفلسطينيّين بنيران الجيش الإسرائيلي لدى اقترابهم من الحدود الإسرائيليّة.
ومنذ أن انتهت الحرب الإسرائيليّة على غزّة في آب/أغسطس من عام 2014، لم تشهد حدود غزّة و(إسرائيل) هدوءاً كاملاً، بل اعتراه التوتّر بين حين وآخر، من دون أن تصل الأمور إلى حدّ اندلاع مواجهة عسكريّة، نظراً لرغبة مشتركة، كما يبدو من "حماس" وإسرائيل، في عدم الذهاب إلى هذه المواجهة.
الإعلان الإسرائيليّ عن إقامة الجدار الحدوديّ مع غزّة، لم يوضح طبيعة هذا الجدار من الناحية الميدانية على الأرض، فهل المقصود إقامة عائق أرضيّ محاذ للسياج الحدوديّ المحيط بالقطاع، على شكل حفرة عميقة على طول السياج الحدودي، أو بناء جدار إسمنتيّ طولي عند أسفل الحدود على غرار الجدار الفاصل القائم في الضفة الغربية.
إن قرار (إسرائيل) بإقامة الجدار على حدود غزّة يعني أنّها ما عادت تتحمّل انهماك جنودها بالحفاظ على أمن المستوطنين في غلاف غزّة، لكنّها تقع تحت ضغوطهم المتزايدة من جراء تخوّفهم من أنفاق فلسطينيّة تحت منازلهم، لأنّها شكّلت كابوساً مريراً في حرب غزّة 2014، وهذا الجدار قد يشكّل رداً عسكريّاً لمواجهة الفلسطينيّين خلال الحرب القادمة".
وقد تزيد إقامة الجدار الإسرائيليّ عند حدود غزّة من أزمة "حماس"، المتمثلة بتشديد إجراءات الحصار المفروض عليها من قبل (إسرائيل) ومصر والسلطة الفلسطينية، حيث يتزامن الإعلان عن إقامة الجدار الإسرائيلي مع تشديد الحصار الإسرائيلي المفروض عليها، برّاً وبحراً وجوّاً، بجانب الإجراءات المصريّة غير المسبوقة بإغلاق شبه كليّ للأنفاق بين غزّة وسيناء منذ تمّوز/يوليو من عام 2013، وإغراق الحدود المصريّة -الفلسطينيّة بمياه البحر المتوسّط منذ أيلول/سبتمبر، ممّا قد يساهم في تضييق الخناق على "حماس.
هناك استبعاد فلسطيني لقيام الجيش الإسرائيليّ ببناء جدار إسمنتيّ أو حديديّ في باطن الأرض، لأنّ موازنته لا تشمله، والمشروع يحتاج إلى مبلغ كبير جدّاً يقدّر بـ2 مليار دولار، لكن هناك خيار آخر يتمثّل بقيام (إسرائيل) بتطبيق التجربة المصريّة في هدم الأنفاق على حدود غزّة الشرقيّة، بحفر نفق كبير طوله يوازي حدود غزّة، وضخّ المياه فيه، وثمّة سيناريو ثالث يتمثّل ببناء (إسرائيل) لجدار في باطن الأرض على حدود غزّة، مع تزويد السياج الفاصل بأنظمة المراقبة.
لدى الفلسطينيّين من الوسائل ما يمكّنهم من تجاوز أيّ إجراءات عسكريّة إسرائيليّة على حدود غزّة، والتجربة الطويلة لهم مع إجراءات سابقة خلال الحروب الثلاثة الأخيرة 2008، 2012، 2014، تؤكّد أنّ المقاومة لديها من الخبرة والكفاءة ما يجعلها تبطل أيّ خطوات ميدانيّة إسرائيليّة، دون الكشف عن طبيعة وسائل المقاومة، نظراً لحساسيّتها الأمنيّة.
أخيراً، تعتقد "حماس" أنّ إقامة عائق إسرائيليّ على حدود غزّة قد لا يحقّق الأمن للمستوطنين، بدليل عدم قدرة الجدار الفاصل في الضفّة الغربيّة على توفير حماية كاملة للمستوطنين، لكنّ (إسرائيل) على ما يبدو ما زالت تتخوّف من هواجس أمنيّة قادمة من غزّة، سواء أكان من خلال اندلاع حرب جديدة مع "حماس" أم تحضيرات تقوم بها الفصائل الفلسطينيّة استعداداً لتلك الحرب، وربّما القيام بعمليّات خاطفة عبر الحدود، تستهدف الجنود والمستوطنين، وتبدو في حال سباق مع الزمن لمنع الخطر القادم من غزّة.