قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: بالصوت العالي.. بلقيس وفرعون

وسام عفيفه

تقدم سيرة بلقيس ملكة سبأ وفرعون مصر نموذجين للإدارة والحكم عبر التاريخ , حتى وقتنا الحاضر.

القران الكريم عرض أسلوب حكم فرعون في قوله تعالى :"قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" .

ومنذ تلك الحقبة وحتى اليوم نواجه نموذج الفراعين في الإدارة والحكم ,الذي يكاد يكون الأسلوب السائد في مختلف الدوائر المجتمعية, بداية من الأسرة وحتى الدولة , بل أن الوطن العربي أصبح فرعونيا أكثر من فرعون نفسه.

نظرية فرعون في الحكم كانت مبنية على معرفته المطلقة بالأعداء –من وجهة نظره-   وخوفه أن يبدل العدو المفترض دين الرعية  ، ويفسد المجتمع ، كما انه الأكثر معرفة بالمصلحة العامة, وصاحب رؤية ثاقبة ، لا يمكن أن يمتلكها احد من الرعية لأن الفرعون صاحب قدرات غير عادية,  وأخيرا, هو الهادي لطريق السداد والصواب .

النظرية الفرعونية نعيشها كل يوم, تطغى على الحياة العربية , لا تجابه, ولا يجرؤ احد من الرعية على نقدها لذلك قالوا في المثل الشعبي : " يا فرعون إيه فرعنك قال مش لاقى حد يقف قدامى".

حالة التدجين والترويض للشعوب في المنطقة وصلت حد التسليم بان يكون الحاكم أو المسئول هو الذي يفكر عنهم ,يخطط , يتخذ القرارات, ينفذها ,وبالتالي يمتلك تفويضا مفتوحا, لا ينقطع إلا بانقطاعه عن الحياة, الشعوب باتت تصيبها الرهبة إذا ما جاءهم رجل من المدينة يدعوهم إلى المشاركة في القرارات المصيرية أو محاسبة القائد.

في المقابل قدم القرآن  نموذج  بلقيس في الحكم في قوله تعالى “ قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون".

ومن يومها وأصحاب هذا الأسلوب ندرة في الحكم والإدارة, وقلما نجد أولي أمر يهتدون بهذا الأسلوب, الذي جنبت بلقيس من خلاله شعبها الويلات  بعدما اعتمدت على المشورة, إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن كبقية الملوك متسلطة في أحكامها، متزمتة في آرائها، لا تقبل النقاش أو المجادلة، و ذلك على الرغم من أنه كان بمقدورها أن تكتفي برأيها وهي الملكة العظيمة صاحبة الملك المهيب.

النظرية "البلقيسية" تواجه الجزر مقابل مد النظرية "الفرعونية" , وذلك مرده أن الخلفية الثقافية في المجتمعات العربية, مبنية على عقلية "من ليس معي فهو ضدي" 

من البيت تبدأ المشكلة وتنتشر ..الزوج يتفرعن على زوجته,وهي على أبنائها ,وهم يتفرعنون على أبناء الجيران, والمدير يتفرعن على الموظف, والوزير على الوكيل, والرئيس على الحكومة, والغرب يتفرعن على الشرق , والشمال على الجنوب , وفي النهاية يتفرعن الإنسان على نفسه.

في بعض الأحيان يلبس مسئول ثوب بلقيس, يطلب المشورة لفترة زمنية, ولكن ما أن يسيطر على السلطة تماما , حتى يكتشف من حوله : "اللي تحسبه موسى يطلع فرعون".

من الجيد أن ندرس هذه الظاهرة في مجتمعنا وان تتبنى مؤسسة أبحاث تحليل الحالة الفلسطينية وتطرح سؤالا واحدا في الاستبيان: أنت بلقيسي أم فرعوني؟

 ربما يتكرم القارئ الكريم ويسأل نفسه بصدق نفس السؤال, وقد لا يعجب هذا المقال البعض, فيرد ردا فرعونيا.

 

البث المباشر