التقت هذا العام الذكرى الثانية لحرب العصف المأكول مع عيد الفطر، وكل مناسبة كانت حبلى أيامها بالمفارقات والتناقضات التي كرست حالة التحدي داخل الإنسان الفلسطيني وحالة الصراع مع العدو الإسرائيلي.
في العيد كان تحدي المواطنين كبيرا مع ذواتهم بالوصول لذروة الشعور بالفرح ومتعة الترفيه، من خلال استبعاد كل ذكريات الحزن والأسى وتجاوز آثار الحرب المريرة، وتجاهل هموم الحصار، ما انعكس على الطقوس الاحتفالية التي بلغت حد الجنون، واتخذت أحيانا مناحي سلبية تمثلت في عدد كبير من حوادث الطرق خصوصا الناجمة عن قيادة الدراجات النارية المستأجرة للتنزه، فيما أدى الشغف بأكلة العيد الشعبية "الفسيخ"، إلى توجهات تجارية محمومة لإعداد وتخزين "الرنجا" محليا ما تسبب بحوادث تسمم نتيجة الإقبال الشديد مقابل الإهمال الصحي الكبير.
ومن تناقضات العيد أن الفعاليات الترفيهية أحيت نعرات مناطقية مقيتة عنوانها "حكاية الجنوب والشمال"، حتى كاد التحريض الفيس بوكي، أن يصور انتقال أعداد كبيرة من أهل رفح وخانيونس إلى غزة، بزحف الجراد الذي يأتي على الأخضر واليابس ويترك المدينة عبارة عن حاوية قمامة كبيرة، حالة تعبر عن التنافس والتجاذب داخل الحارة الفلسطينية الكبيرة، فيما تجاهل المحرضون الجانب الإيجابي، حيث كب هؤلاء "الجنوبيون" عيدياتهم المالية في جيوب أصحاب المحال والمطاعم الشمالية.
في المقابل كشفت التجربة عن نشاط بشري وسيولة مالية في رفح وخانيونس يرشحهما أن يتحولا إلى مناطق تطوير واستيعاب مشاريع استثمارية مجزية.
أما ذكرى الحرب، فقد كشفت أن قدرة غزة على النهوض خلال عامين تفوق قدرة دول وشعوب تجاوز أثار حروب لسنوات، وان من تآمروا على غزة من دول الإقليم الذين أرادوها ان تغرق في حرب لا تبقي ولا تذر، غرقوا هم في حروب سواء بشكل مباشر أو بالوكالة، وآخرين علقوا في صراعات داخلية تهدد بنشوب حرب أهلية، وأن غزة المحاصرة التي تلملم جراحها باتت أكثر أمنا من بعض العواصم العربية.
بعد عامين يثبت الواقع أن الحرب لم تضع أوزارها، لكن نتائجها بدأت تظهر على وجه نتنياهو وعلى قفا قادة الجيش، وما خفي من أسرارها أعظم، "والعبرة في الخواتيم".