قائد الطوفان قائد الطوفان

قرية "اِرتاح".. آثارها القديمة تروي حكاياتها عبر التاريخ

قرية ارتاح
قرية ارتاح

الرسالة نت - ياسمين عنبر

ما إن تطأ أقدامك مدينة طولكرم، حتى تجد نفسك أمام متنزه طبيعي رباني، لا دخل ليد الإنسان فيه بشيء، تدرك أن الشعراء كانوا صادقين حين أفسحوا لها مجالًا كبيرًا في نصوصهم الأدبية.

وبمجرد حديثك مع "كرمي" كما يطلقون على أبناء طولكرم، تجده يتحدث عن الجمال بكل سعادة لا يكل ولا يمل، تمامًا مثل "سالم شريف" الذي بدأ حديثه مع "الرسالة" عن فخره بأنه ابن هذه المدينة، حيث لا يقاوم طبيعة أراضيها فلا يتجول فيها إلا مشيًا على الأقدام برفقة كاميرته ليوثق نفحات الجمال فيها.

اخذ "شريف" "الرسالة"  إلى قرية "ارتاح" في جولة مدركًا أنه لا شيء يثبت حق الفلسطيني في أرضه كالتجوال، يستهل حديثه قائلًا: "كل فترة أصحب أصدقائي في جولة بسيطة في قرى طولكرم نجدد فيها عهدنا لأجدادنا بأننا لن ننسى شبرًا واحدًا من أرضنا التي سرقها الكيان الصهيوني الغاصب".

قد يبدو الاسم غريبًا لأول مرة يسمع به الناس كما يقول "شريف" فهو ما إن يخبر أحدًا عن اسم قريته إلا وأورد عليه أسئلة كثيرة عن السبب، وراح يحكي أسباب تسميتها بقرية "ارتاح" كما أخبره جده.

روايات كثيرة ترتبط باسم هذه القرية، ، فيقال إنها كانت منطقة الراحة للتجار، حيث تقع على طريق التجارة البرية بين مصر وجنوب فلسطين، كما يحكي "شريف"، ويكمل: "أيضًا تنسبها روايات إلى جماعة أتت من قرية اسمها ارتاح من قرى حلب واستقرت في هذه المنطقة في فلسطين ونسبت إليهم".

رواية أخرى يذكرها "شريف" عن سبب التسمية وهي أن سيدنا يعقوب استعاد بصره في هذه المنطقة بعد أن ألقي عليه قميص ولده سيدنا يوسف عليه السلام، فارتاح هو وارتاح بصره.

 "هناك من يقول إن سيدنا يعقوب عليه السلام ارتاح مع بناته وأقام فيها بعض الوقت في طريقه لمصر، حيث كان مروره مروراً عابراً، وليس إقامة تسمح له بالبناء والاستقرار، وكان قد بلغ منه العمر حسبما تروي الحكايات الدينية المتعددة." يسترسل قائلًا.

و"ارتاح" قرية صغيرة تتبع مدينة طولكرم قبل العام 1967، ثم جرى ضمها بالكامل ضمن المدينة مع بلدات صغيرة أخرى، وأصبحت تمثل ضواحي المدينة، وهي تقع على هضبة بارتفاع 77 متراً، وملاصقة للخط الأخضر ولا يفصلها عنه إلا شارع واحد.

مقام "بنات يعقوب" كان أول المناطق الأثرية التي يروي عنه "شريف"، بعد قوله: "قرية ارتاح مليئة بالمناطق الأثرية التي تثبت عرقيتها وأصالتها عبر توافد الحضارات عليها"، ويتابع أنه مقام قديم تختلف الروايات في تاريخ إقامته كما اختلافها بسبب تسمية البلدة.

 من غرفتين واسعتين عليهما قباب، يتكون بناء "مقام بنات يعقوب" حيث يقع فوق مغارة مظلمة، وهو بناء جيد البنيان مبني من حجارة منقوشة وكبيرة، وفي محيطه بقايا رومانية منها أعمدة وصهريج وبئر قديم وبقايا معصرة عنب.

فالبعض ينسب البناء إلى فترة المماليك حين قطّع الظاهر بيبرس ارتاح لاثنين من قواد الجيوش هما عز الدين أيبك الحمدي الظاهري والأمير شمس الدين سنقر مناصفة بينهما، "ومن الوارد أن بناء المقام ارتبط في تلك الفترة بسبب اهتمام المماليك ببناء المقامات الدينية، أما المكان بحد ذاته فهو يحمل آثار الفترة الرومانية" يقول.

مقامات أخرى كثيرة توجد في قرية "ارتاح" كمقام الشيخ عثمان ومقام الست مريم ومغارة بظاظة المهملة، حيث اعتقد الناس أنهم كانوا من أولياء الله الصالحين، وكانوا يذهبون في السابق إلى مقام الشيخ عثمان لاستسقاء المطر.

 "ماذا تعني لك ارتاح"، كان سؤال "الرسالة" لـ"شريف" بعد أن أظهر اهتمامه بكل تفاصيل قريته مظهرًا انتماءه الكبير لها وأخذ يقول عن مهنة صناعة الفخار التي يشهر به أجداده.

يروي: "ارتاح تعني لي اصطحابي لجدي أيام الزمانات إلى مصنع الفخار ومساعدته في عمل عديد من لوازم البيت والمناظر المزركشة بالرسومات الجميلة مثل الأباريق الفخارية التي كانت تستعمل لحفظ الماء لتبريده عوضًا عن الثلاجات، والأواني التي تستعمل لطهي الطعام وكانت تسمى القدر، وكذلك الأحواض الصغيرة (القواوير) لزراعة الورود حول المنزل أو داخله، ولا أنسى الزير وهو وعاء كبير لحفظ الماء من الغبار".

صناعة الفخار هي مهنة موجودة منذ مئة عام في قرية ارتاح، حيث أصبحت كتراث تتميز فيه، وكان يصنع هذا الفخار من طينة خاصة يحضرونها من منطقة الجيب وهي قرية بالقرب من مدينة رام الله.

بأسى كبير يحكي "شريف" أن هذه القرية أصبحت مستوطنة إسرائيلية، ما جعل أمر إحضار هذه الطينة من تلك البلد صعب للغاية، مما أجبر بعض السكان على ترك هذه الصنعة والتراث والبحث عن البدائل.

"علاك ضياء ثم نور وبهجة.. وذلك لما كنت للناس معبد" أبيات شعر نقشت على حجر في المسجد القديم الذي ينتصب شامخًا وسط قرية "ارتاح" كما يقول.

البث المباشر