يطول الحديث في عشق القدس ولا تطيب جراحنا الغائرة في بعدها وحرماننا من زيارة أقصاها، ولكن الجرح يزداد وجعا في ظل الظروف الراهنة التي تحارب لأجل أن تفقدنا الذاكرة.
فالتاريخ يكتب نسخة (إسرائيلية) جديدة لتعمي عيوننا عن الحقيقة، تاريخ جديد يليق بعنجهية الاحتلال، فالاستيطان في القدس يمتد ويتوسع مهما ضاقت الدنيا، وإن كان كل شيء توقف لأي سبب، فإن الخطة (الإسرائيلية) في القدس تسير على قدم وساق.
ولعل من أقبح الأفكار التي روجت على مر سنوات السابقة هي "حقيقة الأقصى"، فهل هو ذلك الجامع القبلي؟ أم هو صاحب القبة الذهبية البديعة؟ وتبدو المعلومات خلطت ببعضها البعض، حتى تقدم رواية جديدة تدعم المحتل للمضي قدما في مخططه الاستيطاني، وتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا بهدوء وسلاسة، دون أن نشعر!
"صورتك مع الأقصى" وسم انتشر قبل أيام ليغزو صفحات التواصل الاجتماعي بطريقة بهية في ظل انفجار بركان التطبيع العربي، خرج خجولا دون أن يدعمه أحد، فلا صورة لغزي في الأقصى، الغزي ممنوع من زيارة الأقصى، إلا بتحويلة طبية، أو " بطلوع الروح".
وأهل الضفة أيضا ليسوا بأفضل حال، فهم يذهبون للصلاة في القدس تهريبا من بين الحواجز، وتعطى التصاريح فقط لكبار السن، ليوم وليلة، تكفي للصلاة، ولا تكفي لمعرفة الحقائق.
فما هو الأقصى؟
يمكنك باختصار أن تضع صورة مسجد القبة التي انتشرت لجمال بناء المسجد ويعتبرها العالم هي صورة الأقصى، لك أن تفعل، ولك أن تمتثل لمن يقول إن المسجد ذا القبة السوداء هو الأقصى، وليس مسجد القبة.
ولكن الحقيقة هو أنك أيضا يمكنك أن تلتقط صورة بجانب شجرة مزروعة هناك ثم تقول" الأقصى" وتلك معلومة صحيحة.
يتكون الأقصى من عدة أبنية، وأروقة، ومعالم يصل عددها إلى 200 معلم، منها القباب، والأروقة، وآبار المياه والمحارب والمآذن.
كما يشمل مسجد القبة الذهبية والمسجد ذو القبة السوداء أو ما يسمى الجامع القبلي الواقع في المنطقة الجنوبية للأقصى، وتبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 ألف متر مربع، ويحتل نحو سدس مساحة البلدة القديمة، وهو مسور بسور يشبه الشكل المستطيل تقريبا.
وفي الشرع فإن من دخل تلك المنطقة وصلى في أي مكان هناك تعتبر صلاته في المسجد الأقصى.
ويضم المسجد الأقصى سبعة أروقة: رواق أوسط وثلاثة من جهة الشرق ومثلها من جهة الغرب، وترتفع هذه الأروقة على 53 عمودا من الرخام و49 سارية من الحجارة.
وهناك قبة أخرى في صدر المسجد بالإضافة إلى أحد عشر بابا سبعة منها شمال الأقصى، وباب في الشرق، وواحد في الجنوب وواحد في الغرب.
وفي ساحة الأقصى أيضا 25 بئرا للمياه العذبة، أما أسبلة شرب المياه فأهمها سبيل قايتباي المسقف بقبة حجرية رائعة لفتت أنظار العلماء الذين زاروا الأقصى، إلى جانب سبيل البديري وسبيل قاسم باشا.
وفي هذه المساحة الشاسعة على الجميع أن يؤكد وهو يلتقط صورة مع الأقصى أن المساجد في الصور الرائجة هي جزء من الأقصى، وليست الأقصى.
فمسجد القبة بني في عهد عبد الملك بن مروان والمسجد القبلي بني أكثر من مرة، مرة في عهد الأمويين ومرة في عهد الفاطميين بعد تضرره بسبب زلزال ضرب المدينة، ومن الجور الترويج لرواية المحتل أن ننسى أن الأقصى يشكل سدس مدينة القدس كاملة، فوجب علينا ألا نحصره في صورة للمسجد فقط.