لكل منا ذكرياته أمام فرن الطين، حين كانت تعد الجدات أو حتى الأمهات أشهى الفطائر والمخبوزات التي تحتفظ برائحتها الشهية، لكن بعد التطور مع مرور السنوات بقيت قلة من العائلات تحتفظ به في “حوش البيت" في وجود الأفران الحديثة.
ولأن قطاع غزة يختلف في كل شيء، فتارة يواكب التطور في حياة سكانه اليومية، وتارة أخرى الأوضاع المعيشية تدفعه للعودة إلى الماضي للاعتماد على كل شيء لا يحتاج إلى كهرباء أو غاز لعدم وفرتها.
بمجرد أن وضع الأربعيني مهند النجار على صفحته الفيسبوك صورة لأول فرن طيني صنعه، تهافت اصدقاؤه وغيرهم لسؤاله حول إمكانية صناعة فرن لهم، ومنهم من سأل عن كيفية صناعته، حتى تشجع وبدأ بصناعة العشرات من الأفران وبيعها لإعالة اسرته.
حنين المواطنين إلى الماضي دفعهم لطلب اقتناء فرن طين لإعداد المأكولات عليه، حيث صواني الدجاج والفطائر والكيك التي يرغب بتذوقها من فقد تلك الرائحة القديمة.
ما بين الحاجة والهواية، عمل النجار الذي يسكن خانيونس، على صناعة الأفران الطينية وبيعها خاصة أنه يعيل ثلاثة أبناء من ذوي الإعاقة دائما بحاجة إلى المزيد من الاحتياجات الصحية، لذا قرر خوض التجربة مستغلا فترة الحجر المنزلي بسبب فايروس كورونا -كوفيد 19-، رغم أن مهنته الأساسية هي عمل وبيع المنظفات على عربة متجولة.
لم يتوقع النجار أن تنهال عليه الطلبات حتى من خارج المدينة التي يسكنها، فبات الكثيرون يتواصلون معه من أنحاء قطاع غزة للحصول اما على فرن طين أو فرن مخصص للمندي أو لطبخ القدرة التي يشتهر بها الغزيون، وغيرها من الأدوات المصنوعة من الطين.
ورغم فرحته بالطلبات التي جاءته، إلا أنها متعبة مما دفع أفراد عائلته لمساعدته، خاصة أنه يحتاج نهارا كاملا لصناعة الفرن الذي يمر بعدة مراحل، وينتظر ساعات حتى يجف، فمثلا صناعة برميل المندي يحتاج أسبوعين كاملين ليصبح جاهزا للاستخدام.
ويذكر أن طريقة صناعة الفرن تكون من خلال نقع الطين في الماء لمدة يومين، بعدها يتم عجنها جيدا حتى يصبح قوامها طريا مع إضافة التبن، ثم يتم انشاء قاعدة الفرن وإضافة الطين بشكل تدريجي لحين الحصول على الشكل المطلوب.
وبحسب النجار، فإن هناك اقبالا على طلب فرن الطبخ من الطين لأنه بديل عن أزمة الغاز، وأسعار معداته رخيصة وفي متناول الجميع، مشيرا إلى أن الأسعار تتراوح ما بين 10 لـ 20 شيكلا حسب النوع.
كما يسعى لتطوير عمله من خلال صناعة فرن طابون متخصص في الخبز العراقي الذي يلزم الأسر في بعض الوجبات، لكنه يواجه بعض الصعوبات حيث الطينة غير المتوفرة في المناطق السكنية مما يضطره لجلبها من المناطق الشرقية المحاذية لقطاع غزة.
ووفق جهاز الإحصاء الفلسطيني فإن أكثر من مليون نسمة في قطاع غزة عاطلون عن العمل، وتبلغ نسبة البطالة أكثر من 72 في المئة بين سكان القطاع.
كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 2020 بالأسوأ في غزة، لاسيما بعدما باتت الأوضاع أشد صعوبة بعد أن شددت (إسرائيل) حصارها على القطاع، وأوقفت الكثير من الدول المانحة دعمها لسكان غزّة، وقلّصت المؤسسات الدولية من مشاريعها التشغيلية، وزاد الطين بلة الإغلاق الشامل في القطاع بعد تفشي كورونا.
وفايروس كورونا أثر كثيرا على الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، بعد إعلان حال الطوارئ والإغلاق الشامل، الأمر الذي أدى إلى فقدان العمال نظام المياومة، مصدر رزقهم، حيث أن 73% من معيلي الأسر توقفوا عن عملهم في فترة الإغلاق نتيجة انتشار الوباء.