منذ بدء العدوان على قطاع غزة، جعل الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الطبية هدفًا أساسيًا لعملياته، وضمن حرب الإبادة الجماعية استهدف الأطباء بالقتل والاعتقال لحرمان المرضى والمصابين من أي فرصة للنجاة.
وتعمد الاحتلال قتل الأطباء المتخصصين في شمال القطاع، وكان آخرهم الطبيب الوحيد المتخصص في جراحة العظام، سعيد جودة، الذي أصيب بطلق ناري في رأسه أثناء ذهابه إلى العمل في مستشفى العودة بمخيم جباليا.
تطهير عرقي
التقت "الرسالة" بالطبيب جودة قبل استشهاده، وأكد في تصريح نشر سابقًا أن الاحتلال يمارس جرائمه بهدف القتل والتطهير العرقي.
ووفقًا لجودة، مارس الاحتلال أشكال الإرهاب والقتل كافة، حتى إنه منع وصول الوقود إلى المستشفيات وأخرج معظمها عن الخدمة، وأجبر الأطباء على النزوح، حاكمًا بذلك على الجرحى بالموت.
وأشار إلى أن الطاقم الطبي محدود، والإمكانات ضعيفة، لذلك رغم تعدد الخيارات في جراحة العظام، يجبر الأطباء على إجراءات طبية ليست من الخيارات المتعارف عليها، فقط للحفاظ على حياة المرضى.
ودعا جودة منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الحقوقية إلى التدخل لوقف جرائم الاحتلال، لافتًا إلى أن العدوان زاد عبء الأطباء الذين باتوا يعملون على مدار الساعة دون أي إمكانيات.
وتشير الإحصائيات إلى أن 75% من الإصابات خلال العدوان كانت في العظام وتحتاج إلى تدخل جراحي، وباستشهاد الطبيب جودة، أصبح المصابون في شمال القطاع بلا أمل في الحصول على العلاج المناسب.
تعذيب ووعيد
وفي شهادته حول ما يمارسه الاحتلال بحق الأطباء المعتقلين، قال الاستشاري الجراح عصام أبو عجوة، الذي أُفرج عنه من سجون الاحتلال، إنه خضع للتحقيق على مدار 125 يومًا، وكان الاحتلال يتركهم عراة في البرد مع تشغيل المكيفات فوق رؤوسهم.
وأوضح الطبيب المتقاعد، الذي تطوع للعمل في المستشفى المعمداني خلال العدوان، أن الاحتلال توعده بإصابته بالشلل نتيجة التعذيب لمنعه من ممارسة عمله عند خروجه من الاعتقال.
وفي تحدٍ للاحتلال، توجه الجراح أبو عجوة إلى غرفة العمليات فور الإفراج عنه ليساند زملاءه الذين باتوا هدفًا مباشرًا للاحتلال، الذي قتل في سجونه الطبيب عدنان البرش، رئيس قسم جراحة العظام بمستشفى الشفاء. كما اعتقل لاحقًا الطبيب محمد عبيد، اختصاصي جراحة العظام، والطبيب حسن المقيد، جراح الأوعية الدموية في مستشفى كمال عدوان، إضافة إلى استهداف الطبيب جودة.
الأطباء هدف مباشر
بدوره، قال الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة في غزة، إن المستشفيات كانت هدفًا للاحتلال الإسرائيلي منذ اللحظات الأولى للعدوان، في سلوك ليس غريبًا عليه باستهداف الكوادر والإمدادات الطبية.
وأكد البرش أن قوات الاحتلال دمرت معظم المستشفيات، ولم يبقَ يعمل منها سوى 16 مستشفى من أصل 35 كانت تقدم الخدمات لسكان قطاع غزة.
وأشار إلى أن الاحتلال قتل أكثر من 1054 فردًا من الكوادر الصحية واعتقل 350 آخرين، وأخرج جميع مراكز الرعاية الأولية، التي كانت تقدم خدماتها لأكثر من مليوني مواطن، عن الخدمة.
وشدد البرش على أن الاحتلال دمر المنظومة الصحية وعطّل عملها بشهادة منظمة الصحة العالمية، وذكر أن قوات الاحتلال اعتقلت أكثر من 54 فردًا من الكادر الطبي العامل في مستشفى كمال عدوان.
وأوضح أن من يصاب الآن في شمال غزة يموت نزفًا تحت الأنقاض، حيث لا يوجد من يسعفه بسبب منع الاحتلال لعمل منظومة الإسعاف والإنقاذ.
إبادة ممنهجة
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستهدف بشكل ممنهج الطواقم الطبية شمال قطاع غزة، في مسعى لتدمير النظام الصحي كليًّا وفرض ظروف معيشية مميتة تؤدي إلى هلاك الفلسطينيين وحرمانهم من الرعاية الطبية المنقذة للحياة، ضمن جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأفاد المرصد أن فريقه وثّق استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي للطبيب سعيد جودة ظهر الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول، أثناء توجهه من مستشفى كمال عدوان إلى مستشفى العودة لمعالجة بعض الحالات، ما أدى إلى مقتله بعد أن أطلقت طائرة "كواد كاتبر" النار تجاهه وأصابته في رأسه، في دليل واضح على أن قتله كان مقصودًا ومتعمدًا، علمًا أنه كان طبيب العظام الوحيد في شمال القطاع.
وتظهر البيانات والإحصاءات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الجيش الإسرائيلي أخرج 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا عن الخدمة، واستهدف 162 مؤسسة صحية و135 سيارة إسعاف.