قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: قم للمعلم

أ. وسام عفيفة
أ. وسام عفيفة

بقلم وسام عفيفة

لماذا ترسل ابنك للمدرسة؟ سيرد معظمكم مباشرة: "هو هذا سؤال يا خفيف.. طبعا حتى يتعلم"

لكن ما لا يعلمه الكثيرون أن هناك أسرا لديها دوافع أخرى لإرسال الأبناء إلى المدرسة منها على سبيل المثال:

المدرسة بالنسبة لهم مركز إصلاح وتأهيل، وبدل أن يتحمل الأب والأم عبء تربيتهم وتقويم سلوكهم الموروث من "الشوارع"، يدفعون بهذا الهم إلى المدرسة، لترويضهم وكبح جماحهم، وغالبا ما يتحول أنصاف التلاميذ إلى فيروس مدرسي يسبب أمراض السكر والضغط، وأحيانا الجلطة، لأسرة المدرسة التعليمية ابتداء من الناظر وصولا للآذن.

وعندما تنفجر معلمة أو معلم جراء ارتفاع مستوى قلة أدب و"سماذجة" الطالب، ويرفع المدرس عصاه، أو تخرج كلمة عصبية من فمه، يفزع الأهل للمدرسة مطالبين بحقوق العائلة من الجد الأول، وقد تتسبب شكوى "الشملول" ولي الأمر لإدارة وكالة الغوث أو الوزارة، بطرد المعلم أو تحويله للتحقيق على الأقل.

النوع الثاني من الأسر ترسل أبناءها من أجل المعونات والمساعدات، وهنا تقييم الأهل لأبنائهم في المدرسة ليس بناء على حجم التحصيل الدراسي بل التحصيل الإغاثي، وعليه فإن النظرية التعليمية لدى هذه العينة من الأسر أن: "القاري والخـ... واحد".

خلال مشاركتي في لقاء لمجلس أولياء أمور.. كانت تشكو الست أحلام بحرقة، من غياب الأهل وأولياء الأمور، حيث تمر سنوات طوال دون أن يطل أحدهم "بطلته البهية"، ويتذكر أن ابنته في المدرسة، في حين تصر ناظرة المدرسة على أن تطارد الأهل المستهترين في بيوتهم، وتحيي ذاكرتهم إجباريا، بأن من تخرج من البيت صباحا وتحمل على كتفها حقيبة هي ابنتهم، ويفترض أنها متوجهة للمدرسة كي تتعلم، وليس مجرد إخلاء مؤقت للبيت.

التعليم يعاني أزمات.. أزمة مناهج، وتجاهل أولياء الأمور، والمدرس يحلم بالزمن الجميل، زمن قال فيه أحمد شوقي: "قم للمعلم ووفّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا"

لكن الشاعر المعلم إبراهيم طوقان رد على شوقي يصف حال التعليم والمعلم كأنه يعيشه اليوم..

شوقي يقول وما درى بمصيبتي:

"قم للمعلم وفه التبجيلا"

اقعد، فديتك، هل يصير مبجلا

من كان للنشء الصغار خليلا

ويكاد "يفلقني" الأمير بقوله

"كاد المعلم أن يكون رسولا"

لو جرب التعليم "شوقي" ساعة

لقضى الحياة شقاوة وخمولا

يكفي المعلم غمة وكآبة

مرأى الدفاتر بكرة وأصيلا

"مئة على مئة" إذا هي صححت

وجد العمى نحو العيون سبيلا

لو كان في "التصحيح" نفع يرتجى

وأبيك، لم أكُ بالعيون بخيلا

لكن أصلح غلطة نحوية

مثلا، وتتخذ "الكتاب" دليلا

مستشهدا بالغر من آياته

أو "بالحديث" مفصلا تفصيلا

وأغوص في الشعر القديم وأنتقي

ما ليس مبتذلا ولا مجهولا

وأكاد أبعث "سيبويه" من البلى

وذويه من أهل القرون الأولى

وأرى "حمارا" بعد ذلك كله

رفع المضاف إليه والمفعولا

لا تعجبوا إن صحت يوما صيحة

ووقعت ما بين البنوك قتيلا

يا من يريد الانتحار وجدته

إن المعلم لا يعيش طويلا

البث المباشر