الشهيد علي الغول.. صغيرٌ يطلبُ الكِبرا

الرسالة نت-رشا فرحات

حينما تنظر إلى وجهه للوهلة الأولى تتذكر مطلع قصيدة لعباس محمود العقاد يقول فيها " صغيرٌ يطلبُ الكِبرا." وهذا هو الصغير الذي ينطبق عليه هذا المقطع، ففي فيديو مسجل نشر بعد الإعلان عن استشهاده، كان الفتى علي هاني الغول يظهر وهو يحضر عبوة ناسفة ويضحك أمام الكاميرا لصديق آخر كان يوثق اللحظة.

ملامح الطفولة تبدو جلية على وجه الصغير.. يخطر ببالك أول ما ترى الضحكة سؤال واحد فقط، كم عمر هذا الفتى؟! ومتى؟!

أجل، متى تعلم كل هذا، من علمه، وكيف رمى هذا الصبي أحلام الطفولة وراء ظهره وكبر دفعة واحدة، وقرر أن يقاوم، من علمه التاريخ والمعادلات السياسية وحب الوطن حتى استقر واستكان في قلبه وسقاه باليقين ثم كبر؟!!

هذا الصبي عمره سبعة عشر عاما، وفي الخامسة عشر أصبح واحدا من عناصر كتائب القسام، وقام قبل أيام في جنين  هو وشركاء آخرون من سرايا القدس وشهداء الأقصى بتنفيذ كمين محكم أدى لمقتل جندي (إسرائيلي) وإصابة آخر.

كمين في جوف الليل، في وسط مخيم محاصر مظلم فارغ من أصحابه، حمل الصبي روحه على راحته، وفي اليد الأخرى عبوة خاصة صنعها بيديه، وشارك كأي رجل يفوقه بعشر سنوات أو أكثر، وجل من شاركوا كانوا بمثل عمره! ليعلمنا كيف تخترق كل هذه الشجاعة صفوف الرعب بهذا العمر.

ثم قصفت الطائرات سرب المجاهدين بعد انسحابهم، وكان عليّ بينهم، واستشهد بينما أصيب ثمانية آخرون، يقول شقيقه الأكبر: "لقد بدأ عليّ مبكرا جدا، في عمر الخمسة عشر، قال لي يجب أن أدافع عن أرض المخيم، ولن يدخلوه إلا على جثتي، لقد استشهد الكثير من أصحابه، ولم يكن انتماؤه لصفوف المقاومة إلا لوجه الله، ولأجل ذلك أكمل ثم استشهد".

أما والد عليّ، الحاج أبو فراس الغول فقد ارتجف صوته مبهوتا، ولا زالت المفاجأة بين نبراته يحملها مع دموعه، وهو يبدأ الحديث بوصت عال: "الله يرضى عليك يا عليّ يا ابن هاني الغول".

ثم يكمل: "لم أكن أعرف أن ابني هذا الطفل، آخر العنقود يمكن أن يفعل كل هذا، هو المسؤول عن تصنيع العبوات، متى تعلم، ومتى عمل، وكيف اتقن كل هذا، كل ذلك عرفته من أصحابه بعد موته، لم يخبرني شيء، لقد أخفى عني".

  مضيفا: "ابني حمل حقيبة مليئة بالعبوات قبل شهر من جنين إلى نابلس ليشارك في مقاومة الاحتلال الذي اجتاح المدينة، ابني كان من صنع تلك العبوات، وخاطر بنفسه ليصل بها هناك، ويظل يقاوم ويعود، دون أن أعرف عنه شيئا".

صوت الأب المكلوم فيه خليط من رجفتين، واحدة للفقد، وأخرى للفخر بما صنع صغيره، وبما عرفه عنه بعد موته: "حينما كان عليّ يقول أريد أن ألحق برفاقي واستشهد لم أكن آخذ كلامه على محمل الجد، لقد كان ابني طفلا، في بداية المرحلة الثانوية، لم أكن أتوقع أن يفعل كل هذا".

اعتقل الاحتلال أشقاء عليّ الأربعة بعد استشهاده، جاء الجندي وقال لوالد الشهيد وهو يعتقلهم: "لو استيقظ عليّ الآن سنقتله مرة أخرى أمامك".

ولم ينته غل الاحتلال من الصبي المقاتل، فلقد أسرع الجيش إلى المستشفى ليتأكد من أن هذا الفتى الذي تحول إلى كابوس قد رحل، وحاول مصادرة جثمانه، فسبقهم أصدقاء الكفاح، وأخرجوا الجثمان من الثلاجة راكضين فيه إلى منزل العائلة لوداع قصير لم يتعد خمس دقائق، قبل أن ينخرطوا في الجنازة المهيبة ويدفنوه سريعا حتى لا تصل يد الجنود إليه فيصادروه.

اعترف الاحتلال بهزيمته في جنين، ووصفها إعلام الاحتلال بأنها "لا زالت ملهمة وبأن مشكلتها لم تحل، ولن يستطيع الاحتلال القضاء على مقاوميها، ولا على إعادة انتشار القوات التابعة للسلطة الفلسطينية فيها".

قصة الشاب الصغير المثيرة للتعجب، أثارت حتى تعجب والده الذي يصف رائحة ابنه قائلا:  ريحته كانت طيبة، ليس أجمل منها إلا رائحة الجنة ثم بكى، وهو يعرف تماما الآن أن عليّا ورفاقه هؤلاء ليسوا أبناءنا من البداية هؤلاء هم أبناء السماء

البث المباشر