قائد الطوفان قائد الطوفان

شعبان الدلو.. شاب ذاب جسده واحترقت أحلامه

غزة - خاص الرسالة نت

جسد تأكله النيران، وصرخات الواقفين يستنجدون، وكل ذلك على الهواء مباشرة، نقلته كاميرا الصحافيين في باحات مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة، بالصوت والصورة، وباللهب المتطاير، وبيدين طويلتين تحاولان إبعاد النار عن الجسد النحيل.
كان ذلك شعبان الحلو، شاب في مقتبل العمر، لم يعقد صفقة مع الموت يوما، نزح مع عائلته خمس مرات، من غزة إلى خانيونس، ومن خانيونس إلى رفح، ثم من رفح إلى خان يونس، وهكذا حتى استقر به النزوح الأخير في باحة المستشفى، والتي من المفترض أن تكون أكثر الأماكن أمنا.

لكن في معادلات العالم، وحسابات الاحتلال، أصبحت كل الأماكن مباحة ومستباحة، وأجساد الأبناء تذوب تحت نيران القصف الإسرائيلي الغاشم، ولا تجد من ينجدها، لأن اللهب أكثر ارتفاعا من قدرات الدفاع المدني، وأكثر قوة من كل الإمكانات المعدومة بعد عام من الإبادة.
مقطع فيديو لا يتعدى الثلاث دقائق، انتشر كالنار في الهشيم عبر شبكات التواصل، والجميع يطرح سؤالا واحدا، من هو هذا الذي تأكل نيران القصف جسده، دون أن يعطي أحد الوقت الكافي ليسحب الجسد فقد استهدفت الصواريخ خيمته مباشرة.
لقد كان نائما، شعبان ابن التسعة عشر عاما، إلى جانب أمه آلاء الدلو، وأشقائه الأربعة، حينما نالت النار من جسده وجسد أمه فارتقى معها شهيدا، وهو الشاب الطموح، الحافظ لكتاب الله، والمتفوق، طالب الهندسة الميكانيكية.

يعرف أحمد كل العاملين في مستشفى شهداء الأقصى، والصحافيين هناك أيضا، ممن تحدثوا عنه بألفة ومحبة وأسى، فالاصل في قصة أي شاب أن يبحث عن الحياة، مندفعا نحو تحقيق أحلامه، لكن الاحتلال الذي يفعل ما يفعله منذ سبعين عاما، يقتل أحلامنا، جاءت طائراته وسرقت أحلام الشاب النائم.
يقول شاهد عيان على الجريمة من مكان تواجده في لحظة القصف:" شعبان استشهد مع والدته، لم يكن يفارقها، وارتقى معها في نفس اللحظة".  

لم تكن تلك قصة الموت الوحيدة، ففي غزة يمكن لكل غزي أن يموت مرتين، أو ثلاث، فقد قدر له أن يعود من المرة الأولى للقتل حينما قصفت طائرات الاحتلال مسجدا كان يتواجد فيه للصلاة مع رفاقه، فارتقى عشرون شهيدا في تلك الليلة، وكان ذلك يوم السادس من أكتوبر.
نجا الشاب بعشر غرز في رأسه، وكانت حالته خطيرة، وما إن تماثل قليلا للشفاء، حتى عاد إلى خيمته لينام في حضن أمه حينما قصفت الطائرات باحة المستشفى، وهي تعلم عدد النازجحين في الخيام هناك فاشتعلت النيران في الخيام، وكانت تلك الموتة الثانية لشعبان الدلو.

رحل شعبان، فيما بقيت شقيقتاه مصابتان بحروق بالغة مع والدهم في العناية المركزة بمستشفى الأوروبي، عائلة كاملة أحرقتها صواريخ الاحتلال، التي لا تشبع من أجساد الأبرياء.

البث المباشر