في مخيم شعفاط شرقي القدس، حيث الأزقة تضيق بالوجع، وُلد محمد باسل زلباني، طفلٌ بعمر الورد لم يعرف من الحياة سوى مرارتها. محمد، الطفل ذو الثلاثة عشر عامًا، كان يعيش كأي طفل آخر يحلم باللعب والدراسة، لكن أحلامه تبعثرت في لحظة ظلم وقسوة لا ترحم.
في صباح 13 فبراير 2023، تناول محمد فطوره وخرج متجهًا إلى منزل عمته. كان اليوم عاديًا، أو هكذا ظن.
وفي طريقه، اعترضه جندي الاحتلال وضربه بلا سبب. لم يستطع محمد تحمل الضربة فأُغشي عليه. وبينما هو ملقى على الأرض، أطلق جندي (إسرائيلي) آخر النار بشكل عشوائي فأصاب الجندي الذي ضرب محمد، لتتحول الرصاصة إلى دليل زائف يتهم محمد زورًا.
هجم جنود الاحتلال على منزل عائلته كالعاصفة. كسروا الأبواب والنوافذ، وأدخلوا الرعب في قلوب أهله وهم يقتادون محمد وهو مرهق ومقيد بالسلاسل، كأنه مجرم خطير، مع أنه طفل بالكاد يفهم معنى هذا الظلم.
منذ عامين وهو يقبع في السجن، وحكم عليه قبل يومين من قبل محكمة الاحتلال المركزية في القدس المحتلة بالسجن لمدة 18 عاما وفرضت عليه دفع تعويض مالي بقيمة 300 ألف شيقل، على خلفية مقاومته للاحتلال.
في زنزانته الباردة، يعيش محمد معاناة تفوق عمره. لا ينام ولا يأكل. عيناه تغرقان بالحزن، وقلبه الصغير مثقل بالأسى. كيف لطفلٍ أن يتحمل هذا الجحيم؟ كيف لعدالة زائفة أن تحكم عليه بالسجن 18 عامًا وتفرض عليه غرامة خيالية؟
والدته، أم محمد، تقف عاجزة أمام هذا المصير. تقول والدموع تخنق صوتها: "ابني لم يفعل شيئًا. كان ذاهبًا لزيارة عمته. أريد أن أفهم ما الذي فعله طفل بعمره ليستحق هذا الحكم الجائر؟ لقد هدموا منزلنا واعتقلوه ودمّروا حياتنا."
محمد ليس وحده، فهو واحد من مئات الأطفال المقدسيين الذين تُسلب طفولتهم بأيدي الاحتلال.
وتشير التقارير إلى أن أكثر من 800 طفل من القدس وحدها اعتُقلوا العام الماضي، في سياسة ممنهجة تستهدف قتل البراءة واغتيال الطفولة.
وقد رصدت هيئة شؤون الأسرى اعتقال نحو (1467) طفلا العام الماضي من كافة محافظات الوطن، وأن نصيب القدس كان حوالي (800) طفل، ويشكلون نحو (54.5%) من اجمالي الاعتقالات التي استهدفت الأطفال الفلسطينيين .
قصة محمد ليست مجرد مأساة فردية، بل هي شاهد حي على ظلم لا يرحم وبراءة تُذبح على مرأى ومسمع العالم. محمد، الطفل الذي كان يحلم بغدٍ أفضل، وجد نفسه خلف القضبان، محكومًا عليه بالموت البطيء على جريمة لم يرتكبها