منذ عام وسبعة أشهر، يتعرّض سكان قطاع غزة لشتى أنواع القتل والإبادة على يد الاحتلال، الذي جرّب على أجسادهم عشرات الأنواع من الأسلحة الفتاكة.
في هذه البقعة الصغيرة من العالم، المسماة "غزة"، مرّ السكان بشتى أشكال الموت؛ فماتوا حرقًا، وقصفًا، وجوعًا، وبردًا، ومرضًا، حتى إن عددًا منهم تبخّرت أجسادهم ولم يعد لها أي أثر، في ظل صمتٍ مطبقٍ تجاه استخدام تلك الأسلحة المصنّفة بأنها محرّمة دوليًا.
على شاشات التلفزة، اشتعل جسد الصحفي أحمد منصور بفعل صواريخ الاحتلال، وبقي يئنّ تحت وطأة أوجاعه حتى فارق الحياة في اليوم التالي.
وقبلها بأيام، وبالأسلحة ذاتها، تطايرت أجساد المواطنين في الهواء لعشرات الأمتار بعد قصف أحد مراكز الإيواء شرق مدينة غزة.
ورغم هذين المشهدين، لم يحرّك العالم ساكنًا، وما زالت (إسرائيل) تصبّ حممها فوق رؤوس الغزيين.
أشلاء ورماد
قال فارس عفانة، مدير وحدة الإسعاف في الخدمات الطبية، إن نوعية الصواريخ والقذائف التي يستخدمها الاحتلال محرّمة دوليًا، وتخلف إصابات خطيرة، وتحول المواطنين إلى أشلاء، منوّهًا إلى أن كثيرًا من تلك الصواريخ محمّلة بكمّ كبير من الشظايا التي تخترق جميع أنحاء الجسم.
وأوضح عفانة أن كثيرًا من الشهداء يكونون بلا رؤوس، وتكون أجسادهم متفحّمة، بسبب نوعية الصواريخ المستخدمة.
ولفت إلى أن الاحتلال استخدم أسلحة تسببت في تبخّر أجساد المواطنين بالكامل، فهي أسلحة "غير تقليدية ومحرّمة دوليًا، وممنوعة من الاستخدام ضد البشر"، حيث تعمل على تفاعل المواد الكيميائية مع الجلد، مسبّبة تآكلًا كيميائيًا مباشرًا في أنسجة أجساد الشهداء والمصابين.
أسلحة فتاكة
ومنذ الأشهر الأولى للحرب، دعت العديد من المؤسسات الحقوقية إلى فتح تحقيق دولي في استخدام (إسرائيل) للأسلحة المحظورة دوليًا، بما فيها القنابل الفراغية.
وتُعد القنبلة الفراغية نوعًا من المتفجرات التي تُحدث انفجارًا عالي الحرارة والضغط، وتولد قوة اندفاعية تمتد لمساحة واسعة. وعلى عكس المتفجرات التقليدية التي تعتمد على تفاعل كيميائي لإحداث الانفجار، تعمل الأسلحة الحرارية عبر إطلاق سحابة من جزيئات الوقود ثم إشعالها، مما يُنتج موجة انفجار شديدة وكمية هائلة من الحرارة، قد تصل إلى 3000 درجة مئوية!
وفي وقت سابق، كشف الكاتب توماس نيوديك، الذي يعمل في الموقع الأمريكي المعروف The War Zone، عن صورة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر ذخيرة محمولة على إحدى طائرات الأباتشي الإسرائيلية، تحتوي على شرائط حمراء، ما يشير – بحسب شفرة الذخائر الأمريكية – إلى أنها كانت نسخة فراغية من صواريخ "هيلفاير".
لاحقًا، أزال جيش الاحتلال الصورة بعد تصاعد الجدل حول احتمالية استخدام تلك القنابل في غزة.
ووفق بيانات منشورة، يحتوي صاروخ "هيلفاير" من نوع "AGM-114N" على رأس حربي حراري يُحدث موجة ضغط شديدة ودرجات حرارة عالية، لزيادة الضرر إلى أقصى حد داخل المناطق المغلقة.
كما أشارت تحقيقات صحفية إلى أن (إسرائيل) استخدمت أيضًا ما يُعرف بـ"المتفجرات المعدنية الخاملة الكثيفة" في غزة، سواء بإسقاطها جوًا عبر ((الطائرات المُسيّرة)) أو تركيبها كرأس حربي للصواريخ.
وتُحدث هذه المتفجرات انفجارًا ذا نصف قطر محدود نسبيًا، لكنه فعّال وقاتل للغاية.
لجنة تحقيق
بدوره، دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية من خبراء مختصين، للنظر في الأسلحة التي تستخدمها (إسرائيل)، بما في ذلك احتمالية استخدامها قنابل تولّد حرارة شديدة تؤدي إلى تبخّر أجساد الضحايا، ضمن هجومها العسكري واسع النطاق على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وقال المرصد إن شهادات وثّقها، ومعلومات أولية جمعها، كشفت جانبًا خفيًا من المستويات المروّعة للقتل الذي تمارسه (إسرائيل) في قطاع غزة، يتعلق بتبخّر أو انصهار أجساد الضحايا بفعل قنابل تُسقطها الطائرات الحربية على المنازل السكنية.
وأوضح أن لجوء الجيش الإسرائيلي إلى إحداث دمار هائل في مربعات سكنية بأكملها خلال هجماته، يؤدي إلى أعداد ضخمة من القتلى والمصابين، ويثير مخاوف من احتمالية استخدامه "أسلحة حرارية" أو ما يُعرف باسم "القنابل الفراغية"، والتي تشتهر في المجال العسكري بقدرتها العالية على تدمير الكهوف ومجمعات الأنفاق الأرضية.
ويحظر القانون الدولي الإنساني استخدام القنابل الحرارية ضد المدنيين في المناطق المأهولة، وذلك وفقًا لاتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و1907، واتفاقيات جنيف لعام 1949. كما يُعد استخدامها جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.